آدم يوسف.. أول تشادي يكتب رواية بالعربية

محمد جدّي حسن
الأربعاء   2022/03/02
حين نشر قصته القصيرة الأولى، لم يفهم مسؤول الجريدة التي نشر فيها، ماذا تعني القصة القصيرة
في العام 2003، قرر الروائي التشادي، آدم يوسف، مغادرة بلاده باتجاه السودان بحثاً عن "مركزية أدبية". جمع مخطوطات قصصه ومسودة لرواية انتهى منها قبل سنوات، وبعضاً من القمصان، وغادر إلى الخرطوم، التي لم يعد منها حتى الآن ولو من أجل زيارة! هذا ما عرفته بعد عشر سنواتٍ من تاريخ مغادرته حين أردت كتابة رواية. وكنت طالباً مدمناً على مكتبة المنى، حين سمعت بكاتب اسمه آدم يوسف. أردتُ مقابلته فعرفت أنه سافر ولم يعد.

الدارسون بالعربية في تشاد، مثل معظم المثقفين بالعربية، تأثروا بالشعر العربي وكتبوه وقرضوه، لكنّ النثر لم يجد شخصاً يهتم بأمره حتّى جاء آدم في العام 2004 لينشر أول رواية  بعنوان "سندو"، لتكون أول رواية تشادية مكتوبة باللغة العربية، وتحول اسم الروائي من  آدم يوسف إلى آدم سندو نسبة الى روايته...


ولد آدم يوسف في خريف 1975 في أقليم كانم. هاجر مع أسرته في اتجاه الممكلة العربية السعودية عندما كان طفلاً، ولم يعد منها إلا بعد 12 عاماً حاملاً الشهادة الابتدائية باللغة العربية. لم يكن أمامه الكثير من الخيارات في بلد تعتبر العربية لغة ثانية بعد الفرنسية. واصل دراسته في إعدادية الصداقة السودانية التشادية، التي بناها الجنرال السوداني جعفر النميري، وهناك اكتشف الأدب وحب الكتابة. في العام 1990 نشر مجموعة قصصية بعنوان "الأشواك"، لم ينتبه إليها أحد، بل إنه حين نشر لأول مرة قصة قصيرة في العام 1993، لم يفهم مسؤول الجريدة التي نشر فيها ماذا تعني القصة القصيرة. 

كان الوقت يمضي بسرعة تسبب الدوار، وأنجمينا كانت مدينة لا تطاق، في بلاد فقيرة ولم يكن البترول قد استخرج بعد، كما لم يكن الأدب موضع اهتمام الناس في ظلّ صعوبة وضع اللقمة على الطاولة. وهكذا بعدما تخرج آدم في "الإيكول نورمال"، تنقل في أرجاء البلاد، بين أعماق الجنوب حيث الغابات الاستوائية، وأقصى الشمال حول الصحراء التشادية الليبية، ولم يجد ذاته. قرر الهجرة والذهاب بعيداً من هذا المكان الذي لا يعرف الناس فيه ماذا تعني كلمة رواية! غادر تاركاً خلفه ملهى أورُورَا وسينما شهرزاد وزواج الإنس بالجنّيات والمصاصين وروايته "سندو"(2004) التي حاول فيها أن يقول كل ما في ذاكرته من حكايات وقصص وخرافات سمعها حين كان طفلاً أو عاشها بنفسه في أزقة العاصمة التشادية، وكان التجوال بداية للمغادرة.

لم ألتقِ بآدم الرواية التشادية العربية، حتى الآن. حين تواصلتُ معه من أجل الرد على أسئلة تساعدني في تقديم كتابه وكتابة مقالة عنه، بدا خجلاً وممتناً. لم يهتم بتصنيفه كأول من كتب بالعربية في تشاد، قلل من أهمية ذلك وتحدّث عن مشروعه الأدبي وصعوبة الكتابة بالعربية في بلد مثل تشاد وعن رواية "الرغيف" لتوفيق يوسف عواد، وقصص يوسف إدريس والأدب الافريقي المكتوب بالعربية. 

نقل آدم رؤيته لواقع الحياة التي عاشها وخبرها طوال مسيرته الأدبية. أراد أن يقول كل شيء. بدءاً بالطفولة، مروراً بكل القصص والخرافات والأساطير التي سمعها إلى الانتهاء من الثانوية وإخراج بطله من هذا المستنقع الذي وجد نفسه متورطاً فيه. لذا لم يترك شيئاً في روايته الأولى، في ما يتعلق بالأساطير والخرافات المنتشرة في بلاده. كتب عن الحاضر وعن الذي كان، وانتهى بالذي يود أن يكونه. أراد أن ينقل كل ما اختزنته ذاكرته وكل ما يحلم به شاب من إفريقيا جنوبي الصحراء: التخلص من ورطة المكان.

مقتطف من رواية "سندو"
"كانت جنية صديقي إبراهيم شديدة الجمال، وكان شرطها أن لا يدخل عليها الغرفة إلا بعد أن يستأذن. وفّرتْ له أشهى أنواع الماكولات وأحسن الملابس. دخل عليها في أحد الأيام ناسياً الشرط الذي بينهما. رأى ما لم تره عيناه ولم تصدقه حواسه؛ ثعبانٌ ضخم له أرجل وتاجٌ كعرف الديك، وله جناحان كالصقور وقرنٌ كناب الفيل يتدلّى من تحت شفته، وظفر طويل في مؤخرة ذيله. هرب منها وجاء يخبرنا بالمشهد، عدنا ووجدناها امرأة طبيعية، وفي اليوم التالي سمعنا خبر وفاته".