شارون ستون وأدوار الجنس في ميزان ادغار موران

محمد حجيري
الخميس   2021/04/08
شارون ستون
حين كتب عالم الاجتماع والفيلسوف الفرنسي، إدغار موران عن "نجوم السينما"*، استنتج انه لم يعد هؤلاء(أي نجوم السينما)، مجرد أشخاص عاديين وناسوتيين، يضعون القناع الذي يؤدون به الدور الذي يلعبونه في الأفلام، ثم يرمونه ليمضوا إلى حياتهم العادية واليومية والعابرة، وليخلفوا وراءهم ذكرى وصورة. بل إنهم أصبحوا بمثابة "أنصاف آلهة"، و"كائنات تنتسب إلى البشري والإلهي في آن معا"، يتماهى الجمهور مع سلوكياتهم وثيابهم وطرق عيشهم وتسريحات شعرهم وعطورهم، وعندما ينتهي موران من تحليل أسطورية النجم أو النجمة، فإنه يعود ليبحث في شروط تكونها وانبعاثها وبداية منعطفها، لأن نجوم السينما في نظره، مصنوعون من طرف نظام يهيئهم ويعدّهم، يكيفهم، ويقترحهم ويطلقهم. النجم يمكن صنعه، يتبع العلامات التي يرسمها المصور أو المخرج. "بل حتى الأحاسيس المعقدة يتم صنعها أوتوماتيكيا. فالديكور والأدوات، تلعب دورا أكبر من الممثل" يقول الناقد المغربي الحسين المعطاوي. لا يبقى للنجم أي وجود، لأنه يجري صنعه صنعاً. يمكن أن يتم تركيبه في أي جزء من أجزائه، بل حتى في أدق تفاصيله.

ما كتبه موران عن صناعة النجوم ينطبق بقوة على النجمة الأميركية شارون ستون التي أخذت مجدها في فيلم "غريزة بدائية" عام 1992 اخراج بول فيرهويفن... ستون التي أفل نجمها اليوم، اختارت أن تعنون مذكراتها، "الجمال في أن تحيا مرتين"، وقد روتْ أن كيف سطعت اسطورتها في الفيلم المذكور وكانت في الثلاثة والثلاثين من العمر، بمعنى أنها وصلت الى النجومية متأخرة، وأدت دور المشتبه فيها المتسلّطة، الدور الذي رفضته ممثلات كثيرات، هو الذي أطلقها في عالم المجد، بعد سنوات من التقدم البطيء في مجال التمثيل... يقول الناقد ابراهيم العريس قبل "غريزة بدائية"، كان من المستحيل لأي شخص ان يتوقع لتلك الشقراء الحسناء ان تصبح، بصورة ما، نجمة هوليوود الاكثر شهرة في العام 1992، بعد محاولات عديدة قامت بها لتفرض نفسها كممثلة جيدة وليس فقط كامرأة حسناء، كانت شارون ستون وصلت الى ما يشبه القناعة بأن حصتها من السينما سوف لن تكون كبيرة بأي حال من الاحوال، لكن الفيلم الإيروسي(غريزة بدائية) وفر لممثلته فرصة القيام بدور صعب وملفت بعد سنوات لعبت خلالها ادواراً تافهة، لأن "مزاياها الجمالية كانت اهم من مزاياها التعبيرية"، وبحسب العريس اسندت لها ادوار رئيسية في افلام عديدة، لكن ذلك النوع من الافلام لم يكن ليعطي الحضور الانثوي فيه سوى بعد تزييني. وهي كانت تقول بحسرة عن دورها: "لقد كان مظهراً لا بد منه!".

اليوم شارون ستون في مذكراتها التي نشرت بعض الصحف ملخصها، تكشف أن سرّ النجاح يكمن في تنازلاتها، أو ما تسميه "استغلالها"، تركز حديثها على المشاهد "الجريئة" في "غريزة بدائية"، تدّعي أن أحد أفراد فريق الإنتاج طلب منها خلع ملابسها الداخلية للتصوير، لأن اللون الأبيض كان يعكس الضوء. وتقول إنهم أكدوا لها "أنّ لا شيء مكشوفاً"، في إشارة إلى أعضائها التناسلية ومشهدها أمام القاضي. وعندما عُرض المقطع النهائي للفيلم في "غرفة مليئة بالوكلاء والمحامين، ومعظمهم لا علاقة لهم بالمشروع"، أدركت أنه تم استغلالها. هكذا اتّبعت الممثلة العلامات التي رسمها المخرج، ودخلت في واقع لم تنتبه إليه الا بعد اتمام الفيلم، انتُهكتْ خصوصيتها، لكن فكرتْ جيداً أنها ستربح شهرتها التي انتظرتها طويلاً. تقول في مذكراتها، إنها صفعت المخرج، واتصلت بمحاميها الذي أخبرها أن بما حدث يناهض سياسة نقابة ممثلي الشاشة، وأنه لا يستطيع إطلاق الفيلم من دون موافقتها. لكن فكرت في الأمر وقررت في النهاية السماح بعرض المشهد لأنه يتناسب مع الشخصية التي كانت تؤديها. وجدت تبريراً لنفسها، وانتظرت طويلاً حتى فضحت ما جرى معها، هل كان يمكن لستون ان تقول عن الفيلم يوم ذاع صيته وصدم الجمهور والجمعيات والكثير من المتدينين والمتزمتين اخلاقياً، ما قالته اليوم في مذكراتها؟ بالطبع لا، فهي غضبت لكنها تماهت مع ما حصل، رضيت بشيء لا تحبّه، لأنه يوصلها الى شيء تحبه، أي أن تكون ممثل في الصف الأول، وليس مجرد دمية شقراء تزين المشاهد.

قالت إنّ تجربتها كانت "مخيفة"، وأضافت: "مشيت أثناء نومي ثلاث مرات خلال مرحلة التصوير، واستيقظت مرتين في سيارتي بكامل ملابسي في مرآبي... كانت لدي كوابيس بشعة". تحدّثت ستون أيضاً عن كيف لم يكن لديها أي فكرة عن مدى انكشاف المناطق الحميمة في جسدها في المشهد الشهير الذي يظهر فيه مايكل دوغلاس.
  
من دون شك، ان ستون تستثمر في مذكراتها ومجدها الغابر... كانت صورة ايروسية في فيلمها، لم تقدر على تخطيها، وفي كتابها كلمة ساخطة وغاضبة، تبحث عن جمهورها... تهدي ستون الكتاب لوالدتها لكنها تقول إن حبها لوالديها لم يأتِ إلا في وقت لاحق من حياتها. عندما كانت طفلة، "كانت أمي تكيل لي الضرب والصفعات" إذا "أزعجتها" شارون الصغيرة، و"وكان أبي ينهال علىّ ضربا بالحزام". تتحدث عن كواليس فيلمها الشهير، بطريقة تفضح واقع السينما الهوليوودية كلل، ففي كل مرة نكتشف أن المنتجين يستغلون النجمات، والمخرجين ينصبون الفخوخ، ليس أقلها دور اغتصاب، دون اعلام الممثلة بأنها تمثّل هذا الدور، والحجة أو الهدف أن يكون الدور واقعياً...

ستون التي أصبحتْ مجرد ذكرى سينمائية، تعود الى اللحظات الحرجة في مسيرتها، سواء في السينما، أو حياتها الخاصة، فقد كانت ذكرياتها عن جدتها وجدها لأمها أكثر إثارة للقلق، حيث وصفتْ مناسبة عندما رأت جدها كلارنس، في سن الثامنة، يسيء معاملة أختها البالغة من العمر خمس سنوات وينتهكها بينما منعتها جدتهما من الخروج. 
(*) ترجمة ابراهيم العريس، صدر عن المنظمة العربية للترجمة.