عودة "زهرة الأشواك".. شريهان شعورنا الجماعي بالفَقد

محمد حجيري
الأربعاء   2021/04/14
وجوه الاستعراض
غداة "عودة" الفنانة المصرية، شريهان، أشهر ممثلات فوازير رمضان منذ ثمانينات القرن الماضي، بظهورها في إعلان "فودافون" الرمضاني هذا العام، مقابل مبلغ مليوني دولار، ومع استعادة لشيء من الماضي الغابر، دلفتْ تعليقات الفسابكة في التمجيد والمدح لفنانة مسرحية وسينمائية واستعراضية (بشكل أساس) شبه معتزلة وغائبة إلا في مناسبات قليلة، وتخبئ في حياتها أوجاعاً تحت المسرّات...

وكُتب في التعليقات: "ظهور شريهان هدية"، "الفراشة المصرية تحلق"، "شريهان تخطف الأنظار"، "انتصرت في كل معارك الوجع.. عودة شريهان أيقونة البهجة"، "شريهان هي أكبر دليل على أن الروح فعلاً هي التي تدوم"، و"نورتي الدنيا الذهب لا يصدأ،" و"اعلان شريهان رسالة أمل لكل الناس المحبطين".. وقلّة قليلة غرّدتْ خارج سرب التجميد، فكتب أحدهم "إعلان شريهان لم يعجب بعضهم على الرغم من المجهود المبذول.. لكنه أثار في نوستالجيا مع كل مشاعر الشفقة عليها... شريهان كانت الوحيدة من نوعها.. غناء ورقص واستعراض وتمثيل. شريهان فنانة متكاملة جداً.. لكن للأسف زمنها راح.. الاستعراض يعتمد على الإبهار ولسبب ما منبهرتش.. يمكن لأن السن بدا عليها، تاريخك عظيم يا شريهان بلاش تبوظيه أرجوك"...


أحسب أن الإسراف والهوس في مدح شريهان، نجمة الثمانينات وبداية التسعينيات، يشير إلى غيابها وليس إلى حضورها، فهي جزء من وهم الجماعة المقتنعة بأن المرض سرق مستقبل الفنانة. تنظر الجماعة الى شريهان كفنانة متخيّلة، أو كانتْ مشروعاً قيد الانشاء، أو توقفَت "في أول السكّة"، وتعددت الأسباب في تفسير ابتعادها عن الفن، بين المَرَضية والسياسية والاجتماعية...

في أحيان كثيرة، أتأمل مسيرة شريهان والهوس بصورتها وزمنها، وأتذكر كلام "الثوريين" عن "حلم" تشي غيفارا المعلّق، وكلام "المجتمع المسيحي" عن بشير الجميل وحلم الجمهورية، بشير الرئيس الذي قتل قبل أن يجلس على كرسي الرئاسة، أو أسمهان الفنانة التي قتلتْ في حادث سير وكان كثر توقعوا أن تكون إسماً أكبر مما حققت بالفعل... والحال أنه في مسار شريهان، كان المرض "ضرباً من القتل" على قول المتنبي... وهي لم تتحول أسطورة، بل بقيت مشروع أسطورة، أو أسطورة غير مكتملة، ومع ذلك تعاطى بعضهم مع جمالها واستعراضها بنوع من العبادة في اللاوعي، ووُضعتْ في خانة نصف إله بسبب جمالها...

وهي لم تنج من "الصندوق الأسود" التابع للسياسيين، قيل الكثير حول عشق علاء مبارك لها خلال تصويرها الفوازير في بداية التسعينيات، وهي تزوجت في المرة الأولى زواجاً فاشلاً من الثري المغربي علال الفاسي، وتزوجت في المرة الثانية من علاء خواجة على "ضرّة" وهي زميلتها اسعاد يونس.

في الواقع تبدو شريهان ما قبل النجومية، أكثر تعبيراً من تمثيلها، فحياتها مزيج من "البنت الشقاوة"، والطفلة المعجزة". فمن جانب هي ولدت من زواج عرفي، فتحت عينيها على العالم، لتتلقى صدمتها الأولى، ولم تكن على علم بأنها ابنه دكتور القانون أحمد عبد الفتاح الشلقاني، الذي تزوجته والدتها عواطف هاشم، لتحمي ابنها عمر خورشيد من زوجها الأول من الالتحاق بالتجنيد، فهو مريض بمرض نادر يستلزم علاجاً دائماً، فاضطرت الأم للزواج عرفياً ثم أنجبت شريهان ولم تُبلغها بالحقيقة. في عمر 11 عاماً، عرفت شريهان والدها وفقدته في اللحظة نفسها، ودخلت في مشاكل حول الميراث وإثبات النسب مع عائلة والدها استمرت سنواتٍ في المحاكم... ومن جانب آخر قبل أن تكون نجمة، كانت صورة، حين كانت طفلة في العاشرة، تنبأ بموهبتها المصور الأرمني الشهير فان ليو، فالتقط لها صوراً عديدة بملابس مختلفة: الكاوبوي (راعي البقر)، وعسكري المرور، وجلباب بدوية، وراقصة إسبانية. وفي حفلة زفاف أخيها عمر خورشيد، شهد للمرة الأولى رقصتها أمام أم كلثوم وعبد الحليم حافظ، ومحمد عبدالوهاب. كتبت شريهان تدوينة تعليقاً على صورتها وهي ترقص أمام أم كلثوم التي "أخذتْ ربطة عنق موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب وحملتني ووضعتني على طاولتها في عرس أخي عمر خورشيد، وربطت لي الرباط الحرير ونظرتْ إلي وبدأت تصفق بدون موسيقى وأنا أنظر لها وللقاعة ولأخي "وأريد أن أقول لها أرقص بدون موسيقى؟!"..."بدأتُ أرقص بدون موسيقى على صمت القاعة وإيقاع التصفيق إلى أن بدأت الموسيقى، وعندما انتهيتُ وانتهتْ الموسيقى، فكتْ لي(أم كلثوم) الرباط الحرير وأجلستني على رجليها وهي تقبلني وتربت على كتفي وأعطتني الشكولاته، أكلتها وجعلتْ جزءًا كبيراً من فستانها الأبيض بلون الشكولاته فخفت أن تراني وتراه فنمت سريعاً جداً.. ووجدت نفسي ثاني يوم في سريري. رحمة الله عليهم جميعاً"...

وتضيف شيريهان في روايتها عن صورتها كطفلة معجزة، فتقول إنها في إحدى المرات ذهبت مع شقيقها إلى منزل عبد الحليم، وقامت بتقليد الفنانين فأعجب بها حليم، وبعد سنوات بدأت مشوارها السينمائي في فيلم "قطة على نار" ثم أنتجت لها والدتها فيلم "الخبز المر" العام 1982 مع فريد شوقي.. وأثناء نجاحها على خشبة المسرح مع فؤاد المهندس بمسرحية "سك على بناتك"، جاءها خبر حادث السيارة الذي أودى بحياة عمر خورشيد العام 1981 لتفقد شريهان في سن السابعة عشره أخاها الأكبر وتظل تبكيه لسنوات. رغم هذا الحزن الذي عاشته شريهان، فهي أسعدت الملايين، وحولت الثمانينات إلى سنوات مليئة بسحر "ألف ليلة وليلة والفوازير"، فقدمت "عروسة البحور"، و"فطيمة وحليمة وكريمة". وفي العام 1989 تعرضت لحادث كاد ينهي حياتها، ورغم أنه سُجل باعتباره حادث سير، وقالت شريهان في أحد حواراتها إنها كانت حادثة سيارة، لكن أصل القصة وتفاصيلها ستحتفظ بها حتى يأتي الوقت المناسب... تقول شريهان في خواطرها التي نشرتها مجلة "السينما والناس" العام 1990: "حياتي تواجهني بالوجه القبيح مرة والبسمة مرة أخرى، فما من زهرة في حياتي إلا وكانت مصحوبة بالكثير من الأشواك الدامية، لتختلط في حياتي نغمات الضحك بصرخات البكاء". وعادت لجمهورها مرة أخرى، وقدمت العام 1991 مسرحية "شارع محمد علي" مع فريد شوقي، وقدمت في 1995 فوازير "حاجات ومحتاجات".

أصيبت بمرض السرطان وابتعدت عن الفن منذ العام 2002، ومن وقتها ابتعدت عن الأضواء، حتى قيام ثورة يناير، حينما ظهرت في ميدان التحرير، ولكنها لم تجر أي لقاء صحافي أو إعلامي إلا اللقاء العابر مع قناة "العربية"، عندما كانت تدلى بصوتها في الانتخابات الرئاسية العام 2012، وحين توفي الرئيس محمد مرسي في السجن كانت من الفنانين الذين رثوه، وفي العام 2020 تصدرت لائحة فناني العالم والشرق الأوسط المشاركين في التبرع بقطع استثنائية من مقتنياتهم للمزاد الخيري الذي تقيمه دار سوذبيز العالمية بالتعاون مع خمس من المؤسسات الخيرية اللبنانية لصالح جهود إعادة إعمار لبنان ومساندة الفئات الأكثر احتياجاً عقب انفجار مرفأ بيروت.

في المختصر، تبدو شريهان في اعلان فودافون، ضرباً من النوستالجيا والكيتش، وشعوراً جماعياً بالفَقد...