محمد خضير... الستارة

المدن - ثقافة
السبت   2020/07/04
فرقة حقي الشبلي المسرحية (من أرشيف السيدة الموثِّقة إيمان البستاني)
(*) أستعير عنوانَ أحدِ كتُب ميلان كونديرا، الذي يضمّ تأملاته النقدية عن السرد، على سبيل الاستطراد والارفاد من طاقته العالية في استعمال مصطلحات الدراما في بناء مشاهده الروائية، كالستارة والمحاورة والارتجال.. وأبدأ بهذا المشهد..

في حديقة قصر آغا جعفر (قصر السباع) على شط العرب، حلقةٌ اسمنتية، تحاصرها الحشائش، كانت مرقصاً لعِلية المجتمع في البصرة وضيوفهم، الملك وحاشيته أحياناً، وقد زالت هذه الحلقة مع توسيع القصر وضمّه لمجمع قصور صدام حسين الرئاسية في ما بعد. وليس هذا موضوعنا الذي أرتجله على طريقة كونديرا، فما أرمي إليه إزاحة الستارة عن مشهد مسرحي احتوته صورةٌ من غمرات الفن الاجتماعي، في أمسهِ الفقير، أرفقناها بمنشورنا..

يجتمع في الصورة المختارة (أعلاه) لفرقة حقي الشبلي المسرحية، ممثّلون متنكّرون/ متهيّئون لأداء أدوارهم في مسرحية كوميدية تستعير من الأمس صورةَ الحاضر، بمفارقاته الساخرة، المتجدّدة دوماً في مجتمع شرقي، ذكوريّ، يتغطرس فيه الكبارُ على الصغار، وممثلو القيم الفضلى على من هُم دونها.

يتوسط الممثلين قائدُ الفرقة التنكرية حقي الشبلي، يساعده أسعد عبد الرزاق، وربما جعفر علي، المستغرق في النظر لوجه فتاة في مقدمة الصورة. وتدخل في الإطار كذلك مجموعة الفنيين، لكنهم ينزوون يسار الصورة فرحين بأدوارهم الفنية غير المنظورة. وهكذا، فإنّ أيّ عنصر مساهم في حفلة الأمس سيرقى إلى درجة الشهادة والتصدير الكاريكاتيري لقيم مرحلتهم، الثلاثينية، من القرن الماضي، وتسفير الدلالات المنطوية عليها، دونما استثناء.

من الأزياء المصدَّرة/ المسفَّرة في الصورة، نخمّن موضوعَ المسرحية/الحفلة التي ستدور على الخشبة، أو التي انتهت للتو، قبل الالتقاط بدقائق. أدّى الممثلون ما قد نعتبره رسالةَ الأمس للحاضر، بشفرة ترميزية أخذت من تاريخ الأندلس التروبادوري، أو كوميديا البلاط الملكيّ، وحياً عاطفياً خالداً، أو حكمةً سالفةً ساريةَ المفعول، أو دوراً انتقادياً هازلاً. ومثل هذا النوع من التمثيليات كان مرغوباً بشدة في المسرح المدرسي، ومسارح الجيب الصغيرة، التي تخلط الجدَّ بالهزل، والتربية بالتهكم الاجتماعي من الطبقات الحاكمة. ومن يدري؟ فلربما خرج للتو من المسرح أيضاً موظفٌ حكوميّ كبير، ضاحكاً على نفسه التي سخِرَ "الشبليّون" منها من دون قيد أو حذر؛ هؤلاء الذين توسّلوا الملك لإجازة فرقتهم!

هل انتهت مسرحية الأمس فعلاً؟ أم أنّ الصورة تؤرشف الحدثَ الساخر وتبعثه إلى حاضرنا بأزيائه وضحكاته المنتصرة على بؤسها وتقشّفها التعبيريين، باعتباره شفرةً غير منتهية الدلالة بفعل الزمن وتصويره؟ أظنّ أنّ مناسبة الصورة تبعث بإيحاءِ أكبر من اجتماع تذكاريّ على هامش الحدث المسرحي. إنّ الأرشيف الصوريّ علامة تفعِّل دلالتَها ذاتياً/أو افتراضياً بوساطة الميديا. فهي لا تبلى بمرور الزمن، بل تتحوّل إلى شفرة متطلّعة من وراء ستارةٍ أسدِلت للتو، غامزةً لزمان غير زمانها. ومَن سيخرج من الحفل، ضاحكاً على نفسه، يعرف قيمة هذه "الغمزة" الانتقادية أكثر من غيره!

(*) مدونة نشرها القاص العراقي محمد خضير في صفحته الفايسبوكية.