لماذا تشتدّ الإدانة حين يكون الجاني مسلماً؟

شادي لويس
السبت   2020/10/24
كان قد مر على الخبر أكثر من 16 ساعة حين نشرته في صفحتي في "فايسبوك". سيدتان بملامح أوروبية تطعنان امرأتين مسلمتين بالقرب من برج إيفل. المعتديتان تصرخان "عرب قذرون"، وتحاولان تمزيق الحجاب عن رأس أحدى الضحايا، فيما عاجلتها واحدة منهما بطعنات متكررة في الصدر. شاركتُ الخبر مع تعليق، لكن، حتى من دونه، كان المعنى مفهوماً من السياق.

لماذا تكون الإدانة أكثر حدة حين يكون الجاني مسلماً؟ وتعمم لتشمل المسلمين جميعاً والإسلام على إطلاقه؟ وماذا حين يكون المسلم أو المهاجر ضحية؟ لماذا لا توجد حملة باسم الضحية المسلمة "أنا فلانة"؟ هل الهجمات العنصرية إرهاب أيضاً واعتداء على المجتمع والدولة؟

"ماحصلش"، جاء التعليق الأول بعد أقل من دقيقة، نافياً أن يكون الخبر صحيحاً بالمرة، إنكار موجز جداً، قاطع ونهائي. وفي أقل من عشر دقائق، وصلتني رسائل وتعليقات، لا تكذّب الخبر، لكنها تقول بأن الواقعة قديمة، من الأسبوع الماضي. وماذا لو حدث الاعتداء قبل أسبوع، هل ينفي هذا دلالاته؟ إنكار الخبر بالمطلق يتحول إلى تشكيك في تفاصيله، فتفصيل واحد كفيل بزعزعة الثقة في المحتوى كله. لم يحتج الأمر للكثير من الجهد للتيقن من صحة تاريخ الواقعة، فتأتي موجة أخرى من الإنكار: لا دوافع عنصرية للواقعة، مجرد مشاجرة حول كلب. ولا تكاد تمر ساعات، حتى تعلن السلطات الفرنسية توجيه اتهامات للجانيتين، تتعلق بتنفيذ اعتداء زاد من خطورته استخدام السلاح، وكذلك توجيه إهانات ذات طابع عنصري. بعدها، تحول نفي الجانب العنصري من الاعتداء، إلى تحليل سياق الواقعة ودوافعها، عناصر النية والعمدية والتبعات المجتمعية. تحليل منطقي بلا شك، ومحق في معظمه، لكنه يبدو معنياً بتصنيف الاعتداء كجريمة من درجة أدنى، لا ترقى لأن تكون "اعتداءً على الجمهورية".

الاعتداء عرَضي، بدأ بمشاجرة وتحول عنفاً ممزوجاً بإهانات عنصرية، هذا كله صحيح. لكن هل تنفى العرَضية بالضرورة الوجه العنصري للاعتداء؟ وهل ينفي غياب النية المسبقة أو الترصد، التبعات الجمعية، أي حالة الخوف التي ربما ستنتاب سيدة محجبة تسير في اليوم التالي في شوارع مدينة فرنسية أخرى؟ تلك التحليلات نفسها التي تحاول وضع الاعتداء في سياقه، تُنبذ في الغالب حين يكون الجاني مُسلماً، ويُتهم أصحابها بتبرير الإرهاب، بالاعتذارية، بمحاولة التملص من نقد الذات. هكذا الحديث عن تاريخ الاستعمار وحاضره، أو عن العنصرية في الغرب، يوصم بتبرير القتل.

المواجهة حول الاعتداءات المتعلقة بالأقليات الإسلامية في الغرب، تتكرر كل مرة بتفاصيلها نفسها تقريباً، التعميمات والاتهامات الجاهزة والإنكار شبه الكامل والمواقف الدفاعية على طول الخط. لا يعدم الإسلام المدافعين عنه بالطبع، هؤلاء الذين يرون في كل هجوم إرهابي، مؤامرة مخابراتية ضد الإسلام، أو حدثاً فردياً لا يعبّر عن تفسيره الصحيح. بل وفي أحيان أخرى كثيرة، يرونه انتقاماً مستحقاً. كذلك، لا تعدم فرنسا ولا علمانياتها، المدافعين المخلصين عنها من بين الناطقين بالعربية. تاريخ مرير لمعضلات مجتمعاتنا مع الإسلام السياسي، ينتهي بإسقاطه على الأقليات المسلمة في الغرب، وإلى الخلط بين السياقات، ما بين الوطن والمهجر، بين وضع الأقلية ووضع الغالبية، أي المهاجرين من الجيل الأول أو الجيل الثالث أو الرابع. ينتهي الأمر في غالبيته بالتعميم، برسم خط واحد لمعركة كونية تكون فيه الحضارة في جانب، والإسلام في الجانب الآخر، الجانب المظلم بالطبع. التمييز بين الداخل والخارج لا يبدو حسمه سهلاً، والجدالات الصفرية نفسها ستتكرر مرات أخرى كثيرة. فطالما نحن محرومون من القدرة على الفعل في بلادنا، وبقَدر عجزنا هذا نفسه، تحتدّ معاركنا الفرنسية.