من يملك كليوباترا؟

شادي لويس
الأحد   2020/10/18
كانت إليزابيث تيلور أشهر من لعب دور كليوباترا في هوليوود، لكنها لم تكن الوحيدة، سبقتها فلورنس لورانس في فيلم بالاسم نفسه من إنتاج 1908، وبعدها هيلين غاردنر في "كليوباترا، ملكة مصر" عام 1912، وكلوديت كولبيرت في فيلم آخر باسم "كليوباترا" العام 1934، وفيفيان لي في "قيصر وكليوباترا" من إنتاج 1943، وكذلك فيرجينيا مايو في فيلم الفانتازيا "قصة البشرية" من إنتاج 1957. وبالإضافة إلى السينما الأميركية، جسدت صوفيا لورين دور الملكة المصرية في الفيلم الإيطالي الكوميدي "ليلتان مع كليوباترا"، ولعبت الفرنسية ماغلي نويلنفس الدور في فيلم "توتو وكليوباترا" (1963)، وكذلك الإنكليزية أماندا باري في الفيلم الكوميدي البريطاني "استمري يا كليو" (1964). وقامت اليابانية تشيناتسو ناكاياما بالأداء الصوتي للشخصية في فيلم الرسوم المتحركة الياباني "كليوباترا" العام 1970.


ولاحقاً، وفي فيلم تلفزيوني مسلسل بعنوان "كليوباترا" (1999)، قامت التشيلية ليونور فاريلا بالدور نفسه، وأخيراً، وفي العام 2002 لعبت مونيكا بيلوتشي الدور في الفيلم الفرنسي الإيطالي "أستريكس وأوبليكس: مهمة كليوباترا". القائمة الطويلة التي تضم عشرات الأسماء الأخرى، لا تحتوي سوى على إسم عربي واحد هو أمينة رزق، التي أدت الدور في الفيلم المصري "كليوباترا" (1943) من إخراج إبراهيم لاما.

كانت كليوباترا دائماً في القلب من المتن الغربي. الملكة البطلمية التي سجل انتحارها نقطة النهاية للعالم الهليني، كانت سيرتها تكثيفاً للمأساة اليونانية وحافزاً للنوستاليجيا الغربية اللاحقة تجاه مدنها الحرة وتراثها، الفلاسفة والدراما والديمقراطية وكل شيء آخر. في السجلات الرومانية، مثلت كليوباترا دور النقيض، الشر الشرقي، البذخ والاستبداد، النموذج المثالي للمرأة الشهوانية، الأنثى المرغوبة واللعوب التي تجلب الموت على كل من يقع في شراكها. التناقض بين الصورتين في المخيلة الغربية، جعل من الملكة المصرية تجسيداً للذات والآخر الغريب في الوقت نفسه، الغواية والخطر، الغرب والشرق في آن واحد.


في "انطونيو وكيلوبترا" (1623) يقدم شكسبير المحاولة الأكثر براعة وتراجيدية لحل المعضلة، مقدماً كليوباترا الناضجة والمأسوية، نداً لأبطال روما، نداً في الحب، فليس هناك ما هو أكثر قدرة منه على توحيد الأضداد، الشرق والغرب، لكنه حب يثبت استحالته في النهاية. بين شكسبير وبرنارد شو ثلاثة قرون، من إليزابيث الأولى إلى فيكتوريا، لم يعد الشرق بعدها نداً ولا تهديداً، بل موضوعاً للحكم. في مسرحيته "قيصر وكليوباترا" (1899) يختتم شو السعي لتدجين صورة الملكة الشرقية، كليوباترا الشابة في مقابل قيصر العظيم والحكيم، السياسة بينهما لا الحب، الاستبداد في مواجهة حكم المنطق، والخضوع النهائي للإمبراطورية الرومانية/ البريطانية.

كليوباترا ملكتنا أيضاً، ولأسباب كثيرة. سعى شوقي لاستعادتها في مسرحيته الشعرية "مصرع كليوباترا" (1927)، صورها ملكة وطنية تدافع عن شعبها في وجه الغزاة، مسقطاً عليه مرة أخرى مواجهة عصره بين الشرق والغرب، وإيديولوجيا "الفرعونية الجديدة"، وطموحات الاستقلال التي بدت حينها قيد التحقق.

الضجة الأخيرة التي أثارها اسناد دور كليوباترا إلى الممثلة الإسرائيلية غال غادوت، ليست بعيدة عن كل هذه، بشكل أو بآخر تظل الملكة البطلمية إلى اليوم موضوعاً للصراع بين الشرقي والغربي. كُتاب الصحف الإسرائيلية يلجأون إلى الأدلة الأركيولوجية كالعادة، فلتماثيل كليوباترا وصورها ملامح بيضاء، البطالمة مقدونيون ويهودية أشكنازية أقرب إليهم من غيرها، تستشهد إحدى المقالات بدراسة علمية، وتدعي أن التركيب الجيني للمومياوات الفرعونية أقرب إلى الخريطة الجينية لسكان الهلال الخصيب، منها إلى المصريين المحدثين. مقال آخر يعثر على أصل يوناني في سلسلة نسب غادوت، ويوجز المسألة في النهاية: كليوباترا لم تكن عربية.

لكن لون بشرة كليوباترا وشجرة عائلة غادوت ليست المسألة، الغضب يظل موجها نحو الإمبراطورية، ونحو هوليوود، على حق الامتلاك، لا امتلاك كليوباترا بذاتها، بل حق امتلاك التاريخ عموماً، حق الشراكة فيه، حق تمثليه واسناده وتوزيع أنصبته، من حصص الأرض وحتى الحق في الحياة إلى الأدوار التمثيلية، الغضب تثيره هذه المرة كما في غيرها، سلطة الإمبراطورية شبه المطلقة على هذا كله، استئثارها به، وشعورنا بالعجز الكامل أمامها.