محمد خضير... نوبة ١٤ تموز(*)

المدن - ثقافة
الأحد   2019/07/14
تنتاب العراقيين اليوم نوبةٌ ارتدادية من عمق الشعور بالإثم والقطيعة مع موروث اقطاعي، وتواتر اجتماعي تقليدي، وثقافة استعمارية سكونية اسيرة للخوف من الانتقاض. إنها نوبة ثورة ١٤ تموز ١٩٥٨. النوبة الأصلية، بل الخطيئة الثورية التي ترتكس فيها النفوس حزنا وحنينا ومذلة. فلا الملِكُ مليكهم ولا القائدُ العسكري الذي انقضّ عليه مخلّصهم. اذ فوجئوا بنهاية حقبة لم تكن جزءا من تاريخهم أيضا. وهم منذ ذلك الحين يقدمون القرابين تلو القرابين املا في قطيعة نهائية يصحون في أثرها على يوم يتصل بحلم من احلام الآخرة المؤجلة دوما على تقويم مصيرهم المجهول.

نوبة بعد نوبة، تتشكل في افق العراقيين سحابة تقودها ريح السموم من اعماق الشعور الذي اسقطهم على فراش المرض الثوري منذ امد بعيد، منذ تحطيم آلهتهم، وانتهاك حرماتهم، ثم اغتصاب سكونهم وطمأنينتهم في صباح مشؤوم. تشكلت هذه النوبات بوتائر ألفية، ثم مئوية، ثم عَشرية، ثم يومية، تهتز لها أستار مخادعهم، المخدوعة أصلا بوهم قطائعي يؤجل سعادتهم الى أبد الآبدين.. ماذا ينتظِر مَن أمسى الانتظار عشاءه السري المقدس؟ وما نوع الخدعة المرسومة بنصل خنجر في ليلة عرس سوداء.. لا يلِد الشؤمُ الا شؤما، ولا الوهمُ إلا وهما، ويظلّ القدَرُ الرائدَ الأمين الذي لا يكذِب أهلَه! وما مدى تفكير القدريّ الا أن ينقُض قدَرَه الأمين وينقلب عليه بين عشية وضحاها؟ أيلوذ الآمِلُ بأملٍ كاذب، أم يتحالف الموعودُ مع الشيطان، أم يقبع الذاهلُ مذهولا في إثر كل نوبةِ حمّى انتقاضية؟

دعنا نفكر بهدوء! يقول المنقذ االخفيّ، الفارسُ المجهول الأمعط، ذو القرون والمجسّات الإلكترونية، والمنطق الميكافيليّ المعسول.. لنفكر على مراحل. خذْ هذه الجرعة من الأفيون المخدر يا صديقي لتنسى ماضيك، بل لتبني قصراً من قصور المقاطعات الأميرية! دعنا نفكر. فكّر. سأفكر.. الضحكة ترتفع من قاع النوبة الارتدادية وتدمر كل يقين! ليس المستقبل غير قصيدة منسولةٍ من ملحمة هرمة، يتفوّه بها مجنون على مسرح صاخب. أجل فكّر! ثم يحل صمت ثقيل. انتهت النوبة العاصفة، وبانَ وجه الأمل الباسم، اللطيف، لحورية غضة الإهاب!
أيْ صديقي! طويلَ العمر! عشْ حتى نهاية القرن، أو منتصفه في الأقل، وأدِم اتصالك بنوبتك السابقة، لا تفقد الأثر، فالآتي اجمل، أو أقبح، وما انت الا صنيعة أوهامك الملكية، او الثورية، أبداً.. فكّر، او لا تفكر، فهناك من يفكر بدلك وعنك.. أيها الكائن التموزيّ المبجل!

(*) مدونة كتبها القاص العراقي محمد خضير في صفحته الفايبسبوكية