التيار

رشا الأطرش
الخميس   2019/04/25
التيار الوطني الحر يريد كل شيء: خطاب المظلومية والتهميش، وخطاب السلطة والهيمنة. العقدة الأقلوية، والأريحية الأكثرية. دمغة المؤسسات، وبصمة الاستحواذ. المتن السائد، والهامش المعارض. والشيزوفرينيا العونية العُضال، تتفاقم بنجاح مستمر.

لعله ليس هناك في الجمهورية اللبنانية، اليوم، مَن ينافس جبران باسيل في كمّ الملاحقات والدعاوى "القانونية" التي رفعها على ناشطين وأصحاب رأي، سواء المعارضين من داخل تياره السياسي، أو منتقديه من خارجه، أو حتى نظرائه من السياسيين. ومنذ أن وطأت قدما ميشال عون، مطار رفيق الحريري الدولي، عائداً من منفاه الفرنسي، ليصرخ في الصحافيين المتهافتين على استصراحه: "لَك اسكتوا!"، وصولاً إلى خبطة يده على طاولة مجلس الوزراء في جلسته الأولى بعد تشكيل عسير، ثم الدَّوس الفجّ المتكرر على اتفاق الطائف، والآن تنظيف البيت العوني الداخلي من كل صوت لا يبايع أسوة بجماهير "البعث" و"المرشد".. تقوم السياسة البرتقالية على مبدأ مدرسة "الكتّاب" تحت شجرة القرية اللبنانية، يحكمها المعلّم المزدان بعصاه، وإن ارتدى ربطة عنق وغرّد في "تويتر".

آخِرُ الدعاوى أثمرت استصدار قرار قضائي بمنع استخدام كلمة "التيار" بـ"ال" التعريف، لغير "التيار الوطني الحر". وكما أن "الأستاذ" هو نبيه بري، و"السيد" حسن نصرالله، و"الحزب" حزب الله، و"الحركة" حركة أمل.. فلزاماً، أن يكون "التيار" هو الوطني الحر. وإذا كانت اللغة قد اصطَفَت ألقاب الزعماء الشيعة وأحزابهم بشكل تطوّري تاريخي، ساهم فيه أنصارهم وخصوهم سواء بسواء، فإن الشخصية العونية لا تترك شيئاً للصدفة. ودودة مقعدها – دائمة التلوّي – لا تطيق صبراً كيما يُصطفى "الوطني الحر" من بِركة التيارات المتلاطمة، إن كان لذلك أن يحدث فعلاً. فلا بدّ من حسم وجزم، إن لم يكن بسلاح لا تملكه، فبـ"القانون". وإن لم يكن بالتلويح بشارع منفلت لا تستطيعه (رغم شهوتها المكبوتة لذلك)، فبالقرارات القضائية والحملات الإعلامية والذباب الالكتروني. حتى الكلب، كلب البيك (وأيضاً: لا بيك إلا وليد جنبلاط)، أثار غيرة جبران باسيل الذي نشر صوره مع كلبه، محاولاً استنساخ لمعات صاحب "أوسكار"، بلا جدوى.. ولا نستغرب إن كان قد استشار محاميه في ما يمكن فعله قانونياً في هذا الشأن.

حتى مع الآخر المسيحي.. يكفي تكثيف مزايدة الشخصية العونية عليه في مشهد واحد دالّ: جبران باسيل ممتطياً حماراً في عيد الفصح. وهو يعلن: إذا كنتم مسيحيين.. فأنا المسيح.

هذا هو "الوطني الحر"، ولذلك يريد أن يكون "التيار" ولو فقط بمصادرة اللغة. والشخصية العونية على طرز القائد ومثاله، وليس صدفة أن اسمه ما زال دلالة محازبيه دوناً عن كل الأحزاب - وحتى العصابات - اللبنانية. شخصية نرجسية مثل رضيع، تملُّكية مثل طفل، صوتها عالي الأزيز مثل مراهق، محقّة على الدوام مثل شاب، وأبويّة مثل عجوز.

الشخصية العونية تكره السنّة، ترفعهم كفزاعة، وتحسدهم على بحر امتدادهم فتهجس بـ"الأكثرية المسيحية" و"الأكثرية البرلمانية"، وتعالج أرقها الوجودي بريش تحالفها مع حزب الله والنظام السوري. أما الصفقات مع السنية السياسية، فمن باب "إجعل أصدقاءك قريبين.. وأعداءك أقرب".

الشخصية العونية تتحالف مع الشيعي الأقوى، وفي الوقت نفسه تغار من مظلوميته التي أحالها السلاح وتمويل الكارتيلات زيفاً، فتريدها هي أيضاً، هكذا بزَيفها، فتستقوي بالدولة وفيها، وتندب حقوق المسيحيين المهددة مهما تحصّنت. الشخصية العونية تغبط في الدروز ثقل قلّتهم في التركيبة اللبنانية، فتتشبث بأقليتها المارونية لتزيد وزنها – المبالغ فيه أصلاً – ثقلاً همايونياً.. وما الاستثناء الذي اجترحه باسيل في تعيينات وزارة الخارجية، والكمّ الهائل من الأقارب والمقرّبين في وظائف رسمية، سوى مثالَين من حواضر البيت على كل ما سبق.

أما طيف حافظ الأسد، وحكم حزبه وطائفته، و"انتصار" بشار على "ثورة الإرهاب والمؤامرة والخيانة"، فهذا هو الحلم الكبير الذي ربما يصدّر لنا ذات يوم قراراً قضائياً بمنع استخدام كلمة لبنان من دون "عون" أسوة بـ"سوريا الأسد".