بستان النخبة الكلاسيكية

روجيه عوطة
الثلاثاء   2019/02/05
استحدث هذا العام اكاديمية الاوركسترا الخاصة به
تدور النشاطات الثقافية اللبنانية في جزر منفصلة، ولعل النشاط الأكثر تعبيراً عن حالها هذه هو مهرجان البستان للموسيقى الكلاسيكية، فمن الممكن القول أن انفصاله شبه كلّي. بدءاً من موقع انعقاده داخل الفندق الذي يحمل اسمه في برمانا، والذي يعتمد عليه لتنشيط السياحة إليه شتاء، بحيث أن معدلها ينخفض خلال هذا الفصل ليعود ويرتفع مع قدوم الربيع وبداية موسم الاصطياف. وبالتالي، يبدو المهرجان انه يدور في خريطتين، الخريطة السياحية والخريطة الثقافية. 


في السياحة، هو فندق. وفي الثقافة، هو مهرجان. وهذا، بالتحديد، ما يجعله منتميا إلى زمن محلي بعيد، زمن البرجوازية اللبنانية التي جمعت بين الاهتمام الثقافي، الذي يوفر لها طابعاً ارستقراطياً، والاستثمار في القطاع السياحي، الذي انتقل قسم منه في ما بعد إلى القطاع المصرفي.

فيبلور المهرجان ذلك الزمن، ويشكل مطرحاً لنخبته، إذ يفتح أبوابه لها، لا لكي تستمع إلى أعمال الفنانين الذين يستقبلهم فحسب، إنما أيضا لكي تؤكد انها ما زالت قادرة على جذبهم وجلبهم إلى بلدها الذي يرتفع كفسحة خضراء فوق جبل ومدينة متصحرين. فهذه النخبة، التي تتألف من بعض العائلات المتصاهرة، تحج إلى المهرجان في كل دورة مطمئنة إلى أن الفنانين، الذين سبق وشاهدتهم في روما أو لندن أو باريس، قد أتوا إلى بلدها، ما يعني أنه يتصل ببلدانهم، وما يعني أنها ونخبهم على سوية واحدة.

لا يمكن غض النظر عن كون مهرجان البستان، ومن عام إلى ثانٍ، وبمعية فريق عمله الحيوي، ينجح في نظم عروضه، وفي جعلها تشكل برنامجاً متنوعاً ومتناسقاً. وفي المقابل، ومن عام إلى ثان أيضاً، يزداد جمهوره شحوباً. وهذا ما يسجل تغيراً في النخبة نفسها، بحيث لم تعد مثلما اعتادتها مؤسِّسة المهرجان ميرنا البستاني، بل صارت هزيلة وعلى عتبة تبدلها التام. وعلى هذا النحو، يظهر المهرجان كأنه يمر في مرحلة مفصلية، لا سيما أن علاقته بنخبته هي علاقة مباشرة، أو لنقُل شخصية، إذ يبغي المحافظة عليها، كما يبغي ان يتغير مع تغيرها، يعني أن يتجدد بحسب قاموس العمل المؤسساتي.

هذا ما بيّنه انتقال مسؤولية المهرجان إلى ابنة البستاني، لورا لحود، التي تتطلع الى تجديده، لكنها، في الوقت نفسه، لا تستطيع أن تتعدى ماضيه، لأن هذا التعدي، وفي منطق المهرجان ونخبته، هو بمثابة تعدٍّ عليهما. من هنا، يبدو التجديد الوحيد الذي من المتاح للمهرجان ان يقدم عليه هو تجديد برنامجه، من دون أن يطاول ذلك زمنه، أو مكانه، بل إنه يجعلهما مغلقين أكثر، حمايةً لهما من خطر الاندثار.

في هذا السياق، استحدث المهرجان هذا العام، اكاديمية الأوركسترا الخاصة به، كما صار ينظر إلى نفسه على أساس انه ينتج نجوماً في عالم الموسيقى الكلاسيكية. كما لو انه، وبذلك، يتحول من مهرجان إلى برنامج خالص. ربما هذا ما يفسر أن القيمين على "البستان" يتباهون دوماً بأنهم الأسرع في البرمجة، بحيث يعلمون ما هي نشاطاته بعد عامين أو ثلاثة.

عندما يطلق المهرجان في عيده الـ26، مطلقاً عنوان "كريشندو" على دورته هذا العام (يبدأ مساء 12 شباط/فبراير الجاري)، يصر برفع صوته على استمراره، لكنه يطوي اصراره على ما يشبه المكابرة. ففي لحظة ما، قد يفرض تغير جمهوره، عليه، تغيراً، ولا يمكن لتجديد البرنامج وحده أن يعالج ذلك أو يضاهيه. فإذا لم يتغير في تلك اللحظة، سيحمله هذا على تقديم موسيقييه إلى جمهور من الغياب الذي سيعم مكانه وزمانه، وعندها، لا يؤدي تصاعد صوته سوى الى الصدى.

البرنامج كاملا في هذا الرابط:
https://albustanfestival.com/program/calendar/