كارل لاغرفيلد الذي بَلسَم روح "شانيل".. ولَعَن "مي تو"

المدن - ثقافة
الثلاثاء   2019/02/19
توفي كارل لاغرفيلد، مصمم الأزياء الألماني الشهير، والمدير الفني لدار شانيل عن 85 عاماً. وظل لاغرفيلد أيقونة في عالم الأزياء على مدى نصف قرن واشتهر بارتداء البذلات الداكنة وتميز بشعره الأبيض القصير المصفف في شكل ذيل حصان وبنظارته الشمسية المعتمة، وحين ظهر ذات مرة من دون نظارة كانت صورته حدثاً اعلامياً. واشتهر لاغرفيلد بعمله مع "شانيل"، لكنه كان يقدم مجموعات لبيت أزياء "فيندي" التابع لشركة "لوي فيتون مويت هينيسي" وللعلامة التجارية التي تحمل اسمه. وقال برنار أرنو، رئيس شركة لوي فيتون، في بيان "برحيل كارل لاغرفيلد نكون قد فقدنا عبقرياً مبدعاً ساهم في جعل باريس عاصمة الموضة في العالم وجعل فيندي أحد أكثر بيوت الأزياء الإيطالية إبداعاً"، "لقد فقدت الموضة والثقافة مصدراً عظيماً للإلهام".

يقال إنّ لاغرفيلد ولد في 10 أيلول/سبتمبر 1933، وبعض التواريخ تشير إلى أنّه ولد في العام 1938، ولا دليل يؤكّد أياً من التاريخين، حتّى أنّه شخصيّاً، وفي لقاء تلفزيوني، لم يشر إلى تاريخ صحيح بينهما، إلى أن اعترف في نيسان 2013 أنّه ولد في العام 1935. أما شهرة المصمم الألماني الذي ولد في مدينة هامبورغ، فكانت لاغرفدلت، التي حوّلها بنفسه إلى لاغرفيلد لأنّها مقبولة أكثر تجاريّاً وإعلامياً، على حد تعبيره.

نشأ لاغرفيلد وسط عائلة مرتاحة ماديّاً، أكمل دراسته الثانويّة في باريس، وحصل لاحقاً على شهادة في الرسم والتاريخ والفنون، بدأ عمله في مجال الأزياء كمساعد لـ Pierre Balmain، وبعد ثلاثة أعوام انتقل إلى العمل مع Jean Patou حيث صمم مجموعتي هوت كوتور. والمجموعة الرسميّة الخاصة به أطلقها العام 1958، مستعملاً اسم رولاند كارل بدلاً من كارل لاغرفيلد. تميّز بالتصاميم القصيرة، ولعل تنانيره في العام 1960 كانت الأقصر، مع العلم أنّ مجموعاته لم تلق الاستحسان ولم تصل إلى النساء بالشكل اللازم. وفي العام 1963 بدأ يصمم للماركة الإيطاليّة Tizani التي بدأت بالكوتور، ولاحقاً عملت في نمط الألبسة الجاهزة.

في العام 1964 انتقل للعمل في دار Chloé الفرنسي، وبعدما صمم قطعاً في المجموعة، وصل إلى حد تصميمها كلّها، ونجح مع الدار في المجموعة التي صممها في العام 1973، حيث كان قبل عام أيضاً بدأ تعاونه مع Fendi، مؤكداً نجاحه الذي تضاعف عاماً بعد عام.
إلى جانب التصميم، كارل لاغرفيلد يعمل في التصوير أيضاً، حيث صوّر بنفسه أجمل النجمات خلال جلسات فوتوغرافية أمثال ماريا كاري. دفعه هوسه الجديد بالتصوير إلى أن يصبح واحداً من بين المصورين العالميين في فترة وجيزة، قال في إحدى مقابلاته التلفزيونية "إن التقاط الصورة هو تحديد شخصية الإنسان ذاته، فالصورة هي طريقة للرؤية، وتتميز بأننا لا نستطيع إعادة صنعها، وهذا ما يعطيها صفة الخيال والسحر".

حقق لاغرفيلد العديد من الصور في مجال الإعلانات والصحافة، ولمجلات من أمثال: معرفة الفنون، وفوغ الأميركية، وفوغ الإسبانية، وسواها، كما انصب على تصوير الوجوه الشهيرة في ميدان السياسة والثقافة والمجتمع، ومن بين أولئك، جاك لانغ وزير الثقافة الفرنسي وكارولين دي موناكو، وقد عرضت مجموعة أعماله التصويرية في غاليري بولاكيا في الدائرة السادسة من باريس من بين عامي 1989 و1992، وقد بلغ عدد معارض صوره 13 معرضاً تنقلت بين هامبورغ وميونيخ ودوسلدورف ولندن وميلانو وبرلين ونيويورك وكولونيا وباريس ومدريد وروما.

ساعد انفتاح لاغرفيلد على التيارات الثقافية، على التقلب في تصاميم الأزياء عبر نظرة مستقبلية، فقبله لم يستطع أيّ مصمم آخر إعادة عهد شانيل بعد وفاتها في 1971، فكان يجب الانتظار 12 عاماً حتى يأتي لاغرفيلد ويقول إن "كوكو شانيل لم تمت"، على عكس بول بواريه الذي توقفت موضته منذ أغمض عينيه ورحل عن الدنيا. كان تحديه كبيراً حين دخل دار شانيل سنة 1983، فلم يكن من السهل خلافة المصممة الكبيرة كوكو. كان أول ما فعله هو رفضه لتقليد تصاميم شانيل السابقة، وقيامه بتطوير موضة الدار، برزت بصماته في تايورات التويد وفي أثواب السهرات البسيطة، وفي السلاسل الذهبية والحقائب المميزة، وكانت جميعها تأتي في غاية الأناقة وبشيء من الإثارة، وكان هذا الأسلوب الجديد سبباً كافياً في المحافظة على روح شانيل، والمجددة في تطلعها إلى العام 2000، وبدا قادراً على نيل إعجاب "كوكو" لو قُدّر لها العودة إلى الحياة وزيارة امبراطورية موضتها التي بقيت وفية لطريقة تفكيرها الابتكارية الفنية.


اللحظات الأخيرة في الكواليس قبيل عرض "شانيل" في كانون الثاني/يناير1983(غيتي)

وفي العام 2002 تعاون مع ماركة Diesel، حيث عرضت قطع المجموعة الخمس في أسبوع الموضة في باريس، محققة نجاحاً باهراً في المبيعات، ومن المحطات المهنية البارزة في العصر الحديث كان تعاونه مع ماركة H&M. تعاون مع أوبرا فلورنسا في إيطاليا وأوبرا فيينا في النمسا وزوريخ في سويسرا ومونتي كارلو...

أبدع لاغرفيلد دائماً في إخراج عروضه بطرق لافتة، في العام 2005 رسم طريقاً من الإسفلت ووضع عارضاته فوقه على السجادة الحمراء، أما في عرض مجموعة خريف/شتاء العام 2007، فقد هبت عاصفة وتساقطت الثلوج فوق منصة العرض، فيما تمحور عرض مجموعة ربيع/صيف 2008 حول جاكيت ضخمة من التويد، وبالنسبة إلى الأشكال الضخمة التي استعان بها لاغرفيلد في عروضه فلا أحد ينسى العواميد الفضية الضخمة التي دارت حولها عارضات مجموعة كوتور خريف/ شتاء 2009، أو الأسد الذهبي العملاق خلال عرض مجموعة كوتور خريف/شتاء 2011، أو الكريستالات الكبيرة في عرض خريف/شتاء 2012. الأماكن التي يبنيها لاغرفيلد لعروضه غريبة فقد كانت سوبر ماركت لعرض خريف/شتاء 2014، أو قهوة فرنسية بتفاصيلها لخريف/شتاء 2015، وكازينو ابتكره لتقديم عرض كوتور شتاء 2016.

كان لاغرفيلد يعتبر نفسه أباً لقطة هي أشهر وأغنى القطط بالعالم، اسمها "شوبيت". كانت قد حصلت على ما يقارب 3 ملايين يورو في العام 2014 بعدما شاركت في حملتين كبيرتين، إحداهما للسيارات في ألمانيا، والأخرى لمنتج جمال ياباني.

لقّب لاغرفيلد بأنه المبتكر الأغلى أجراً في العالم، ولا علاقة لهذا بخلفياته الألمانية العريقة، ذات الأصول البورجوازية الصناعية، إلا أنه ينتمي إليها بهوسه في العمل. ما عدا ذلك فهو فرنسي بثقافته ولياقته، وإيطالي بكرمه وفنّه في العيش اليومي. 

عرف بانتقاداته الشديدة لشخصيات معروفة، فقد أشار في لقاء له مع مجلة ألمانية إلى أن المستشارة الألمانية لا تختار أزياءها بالدقة اللازمة، وقال: "على السيدة ميركل أن ترتدي ما يناسب مقاييس جسمها حتى تخلق بعض التوازن...". ورغم موافقة الأغلبية، كارل لاغرفيلد رأيه، في أزياء المستشارة الألمانية ميركل، فإن له سوابق أخرى تثير الكثير من الجدل، بدءاً من انتقاده للشعب الروسي، وتحديدا الرجل الروسي ناعتاً إياه بأنه قبيح الشكل مقارنة بالمرأة الروسية التي يتعاطف معها بسبب تحملها كل ذلك القبح، إلى انتقاده الشخصية اليونانية بأن الفساد متجذر فيها مثل الشخصية الإيطالية. وطبعاً، لم تسلم البدينات ولا النحيفات من لسانه، بمن فيهن المغنية أديل وبيبا ميدلتون، أخت دوقة كمبردج. عن الأخيرة، قال إنه حري بها أن تخفي وجهها وتظهر قفاها، فقط لأنه أجمل من وجهها بكثير. وعن الأولى، أي المغنية أديل، قال إنه يحب صوتها ووجهها، لكن جسمها نشاز في دلالة إلى بدانتها، ما أثار عليه حنق عشاقها واضطره أن يتراجع ويعتذر لها علناً.

لم يكن لاغرفيلد يعرف الدبلوماسية عندما يدلي بآرائه الشخصية، عندما انطلقت حملات فضح حالات التحرش Me too، تشجعت العديد من عارضات الأزياء للكشف عن حالات التحرش في عالم الموضة والتي لم تكن قليلة. تلقت الحملة الكثير من الدعم إذ إنّها حفزت الكثير من الفتيات على فضح المتحرشين في مجتمع يرى أنّ هذا الجرم سببه ملابس الفتيات...

الجميع دعم، إلّا كارل لاغرفيلد، إذ صرّح في مقابلة مع مجلة Numero الفرنسية أنّه "سئم من النجمات اللواتي يتكلمن عن التحرش" وهو يشكك في حقيقة جميع الادعاءات إذ إنّ النجمات يصفن حالات التحرش بالتفاصيل بعد مرور أكثر من 20 سنة. كما انتقد لاغرفيلد عارضات الأزياء اللواتي اعترضن على التحرش في عالم الموضة، معتبراً أنّه من المتوقع أن تكون هناك حالات تحرش في مجال كهذا، ولهذا على العارضة أن تكون على معرفة باحتمال مواجهة حالات مماثلة قبل الدخول إلى المجال. ودافع كارل عن زميله المدير الإبداعي لمجلة Interview السابق "كارل تامبلر" بعدما اتهمته عارضة بإسقاط سروالها الداخلي بالقوة أثناء التصوير موضحاً أنّ اعتراض كهذا لن يسمح للمصور باتمام عمله. وأضاف "الفتاة التي لا ترغب بأن تُسحب ملابسها الداخلية، يمكنها الانضمام إلى دير راهبات بدلاً من العمل في مجال عرض الأزياء. الانزعاج من أمور كهذه لا يسمح للمصمم بإتمام عمله".

وانتقد لاغرفيلد النجمة كيم كارداشيان، على تباهيها بثروتها وعرضها لمجوهراتها في مواقع التواصل الاجتماعي قبل يوم من حادثة السرقة التي تعرضت لها في باريس. وقال لاغرفيلد للمراسلين بعد عرض الأزياء الخاص لـ"شانيل" :"لا تستطيع أن تعرض ثروتك ثم تفاجأ بأن بعض الناس يريدون مشاركتك فيها".