رحيل سهام ناصر.. اختفاء في الجيب السري للسماء
وكانت ناصر قد قالت عن عملها: "اشتغلتُ على كتابة نص المسرحية عن الرواية، وشدني اليها الموضوع الانساني المتجذر، الذي يرسم دواخل الانسان العربي البسيط؛ هذا المواطن الذي يحمل بين ثنايا روحه الخوف الى درجة الهوس من الآخر، هذه الثيمة شدتني لارتباطها بتجربة حرب عشتها أعواماً طويلة ولدت خوف من الحدث ومن الآخر، رغم انها لا تحمل مفردة لغوية واحدة عن الحرب، لكنها تحكي تفاصيل هذه المعاناة، وضاعفت بطل هذه الرواية البسيط مرات عديدة، فيما اعتبره آخرون يقارب النوتة الموسيقية متعددة الأصوات".
وأضافت: "كان اشتراكي في "الجيب السري"، أنا وفريق العمل، من أنجح وأهم الزيارات لي إلى مهرجان عربي في القاهرة، كم هي عظيمة تلك المدينة، كنت قبلاً أتابع كافة النشاطات العربية الأخرى من خلال الإعلام والكتب والمجلات الثقافية لا غير. وبتواضع، وأرجو ألا يساء فهمي، حين طلبت المساعدة آنذاك من وزير الإعلام اللبناني، قلت له إن عملنا هذا سيفوز بالجائزة الأولى، فأعطنا دعماً متواضعاً، وكنت أملك في جيبي ألفي دولار لا غير، وذهبنا، هذه الثقة تعبت من أجلها سنوات طويلة داخل مختبر معهد الفنون الجميلة مع طلابي، المسرح الذي أعمل للوصول إليه هو التفتيش والبحث المستمر، التقرب من ذواتنا وإيجاد وسيلة تعبير وأسلوب يعبّر عن جيلنا، زمننا الآن، نحتاج جميعاً، نحن المسرحيين العرب، كتّاباً وممثلين ومخرجين، إلى الجرأة في إيجاد واستعمال أدوات المسرح، كافة أدواته المركّبة لكي نجد لغة مسرحية ننعتق فيها من الروتينية والتبعية للآخرين، والانعتاق أيضاً من الأفكار المسبقة حتى (الموروث) منها إذا كان ذلك يشكل حجر عثرة أمام طموحاتنا وحرية فكرنا، والتعبير عن همومنا ومشاغلنا الآنية منها والعظيمة الشأن على حد سواء، لكن الموروث هو البداية"·
بعد "الجيب السري" قررت ناصر، حتى لا تكرر نفسها، ان تنتظر فترة من الزمن قبل أن تقدم عملاً آخر، "كان ذلك لسببين.. أولهما التحضير للعمل من ناحية، ومن ناحية أخرى لأؤمن إنتاج العرض الجديد" بحسب قولها، فجاء عرض "ميديا.. ميديا"، عنوانه يحمل التكرار ومتنه ينطق بالتكرار، وذلك لفتح أفق غير واقعي لدى الجمهور. وعرض "ميديا.. ميديا" عصري وتجريبي بطلته امراة من عائلة مالكة، تقع في حب رجل من سلطة معادية هو "ريبوروس" وتترك الملك من أجله، وتصبح مجرد امرأة له وتهبه كل حياتها. لكنه يقرر أن يكون صاحب سلطة، فيخونها ويتزوج بأميرة، ويقودها غضبها للاقتصاص منه بقتل أولادها. وقد ركزت ناصر في مسرحيتها هذه، على الضوء والسينوغرافيا والمؤثرات الصوتية، للتعبير عن واقع "ميديا" لـ"اوريبيدس" وحالتها المتمردة.
ولسهام ناصر عدد من المسرحيات، منها "جاز" المعدّة دراماتورجيا عن نص لدستويفسكي، حيث استخدمت رؤيتها الاخراجية والسينوغرافية بجمالية مع رؤيتها للعرض، "والجدار" المعدة دراماتورجيا عن مجموعة نصوص لصموئيل بيكيت.
أما الشاعر والمخرج يحيى جابر، فكتب: "سهام ناصر ماتت واختفت في الجيب السري للسماء... سلام لها".