عمر أبو سعدة لـ"المدن": ثمة مسرح جديد سيولد لسوريا

روجيه عوطة
الخميس   2017/10/19
أمام المسرح السوري اليوم حواجز كثيرة
مساء الجمعة المقبل(19 الجاري)، في مسرح دوار الشمس، وضمن فعاليات "بينالي الشارقة 13" في بيروت، يقدم المخرج عمر أبو سعدة مسرحية "بينما كنت أنتظر"، التي كتبها محمد العطار، وتصمم مشهدها بيسان الشريف، ويضيئها عبد الحميد خليفة، ويمثّلها كل من محمد الراشي، ناندا محمد، محمد الرفاعي، رهام القصار، ومصطفى كور، بالإضافة إلى فيديو ريم الغازي، وموسيقى سامر صائم الدهر(psychoaleppo).
عن مسرحيته، الفن المسرحي، وأمور أخرى، هنا حديث عمر أبو سعدة لـ"المدن"..

- في الأغلب، تتعلق المواضيع، التي أتناولها في أعمالي، بشؤون عيشي، وطبعاً، محور هذه الشؤون هو واقعة الثورة، لا سيما أنني ما زلتُ أقيم وأمضي وقتي في سوريا. بالتالي، كل ممارساتي اليومية، في صعيد الاجتماع، أو في صعيد الشغل، أو غيرهما، مرتبط بتلك الواقعة، التي تركت وتترك آثارها في خائضيها. منذ فترة، وأنا أنوي التطرق، في عمل جديد من هنا، أو آخر من هناك، إلى موضوع منفصل عن هذه الواقعة، إلا أني سرعان ما أجدني وقد عدت إليها، أو لم أبارحها. وهذا، في حسباني، دليل على أن هذه الواقعة ملزمة ومتواصلة المفعول.

- يستطيع المسرح أن يجسد هذه الواقعة. فهو، طوال تاريخه، كان جديراً بتجسيم اللحظات الضخمة، وعرضها بعد تكثيفها. غير أن المختلف، في سياقنا السوري، هو غياب المسافة، التي من المتاح وضعها، والتموضع فيها من الواقعة، لكي يجري تناول الأخيرة بشتى السبل. لما زلنا في قلب الواقعة، ولهذا، وفي "بينما كنت أنتظر" على سبيل المثال، جعلنا من تلك المسافة الغائبة ظرفاً لاعتماد طريقة أخرى في العمل. إذ طورنا، كفريق، مسودات المسرحية مع بعضنا البعض، وهذا ما أفضى إلى كونها ارتكزت على وجهات نظر متعددة.



- في "بينما كنت أنتظر"، انطلقت من قصة فعلية. أعرف شخصاً تعرض لحادثة مشابهة كحادثة شخصية المسرحية. أوقفه عناصر أحد الحواجز الأمنية في دمشق، وضربوه، فدخل المستشفى، وبقيّ في الغيبوبة شهرين قبل أن تدركه المنية. قبل عامين، كنت في صدد العمل على فكرة مسرحية، فعادت بي الذاكرة إلى ذلك الشخص وقصته، فاستندت إليها. طرحت فكرتي على محمد العطار، ومنذ تلك اللحظة، بدأت الحكاية تأخذ وجهات مختلفة، إلى أن تشكلت في طرز معين. نرى الشخصية في الغيبوبة، نراه يطل منها على محيطه، ونرى محيطه يتفاعل معه في أثناء فقدانه لوعيه. ومن خلال الطرفين، نرى كيف تتغير حياة الناس في دمشق. في الغيبوبة، تكون الشخصية في محل ما بين الحياة والموت، في منطقة بينية، وفي اعتباري أن هذا قريب من وضع السوريين القاسي. طبعاً، أول ما يتبادر إلى الخاطر عند توصيف هذا الوضع هو استفهام عن الأمل والإنتظار. لكن الأهم، هنا، هو التواصل. فعندما تزور راقداً في غيبوبته، السؤال الأساس الذي تطرحه، يدور حول إن كان يسمعك أم لا، وإن كان كلامك يزجله أم يزيده خسارةً لوعيه.


- يشاهد الجمهور، مسرحيتنا، من زوايا متنوعة، سياسية، وفنية، وإجتماعية، وغيرها. ففي بروكسل، على سبيل المثال لا الحصر، التقيت بأحد المشاهدين، الذي رأى فيها معاناته مع حالة قريب له، يرقد في غيبوبته. لا شك أن المقلب السياسي للمسرحية يأخذ حيزاً كبيراً منها، لكني لا أجد أن ذلك يوجب بتحولها إلى وسيلة تصويب أو توجيه. بل ربما، وفي ظني، أنها تحض على البحث أكثر في الواقعة السورية، وفي مجرياتها، كما تحض على طرح الأسئلة المتعلقة بها، بعيداً مما يظهره الإعلام منها. فهناك حقيقة أخرى، بمقدور الفن المسرح أن يقدمها للجمهور، وهي غير تلك التي تقدمها وسائل أخرى.


- أمام المسرح السوري اليوم حواجز كثيرة. في مقدمتها، تشتت معظم فنانيه في العالم، في حين أنه يقوم على الجهد الجماعي. ثم، ولأن الواقعة كبيرة للغاية، فهذا ما يضعنا في موقع التساؤل دوماً عمّا يمكن أن نقوله، أو نقدم عليه مسرحياً، في ظل ما يحدث. إضافة إلى قلة الإنتاج المسرحي، وطبعاً، هو في سوريا تحت المراقبة، بحيث لا يمكن أن يتناول وقائع الثورة، وإذا حصل، فبحسب وجهة نظر النظام البعثي فقط. ومع ذلك، لا بد من الإشارة إلى أن هذا المسرح في أطوار تغيره، لا سيما أن علاقة السوريين بكل الأمور تتبدل. فالموت أصبح مجاوراً لهم، وهذا ما يترك أثره في صلتهم بأي شيء، وبالفن تحديداً. لم يتبلور مسرح جديد حتى الآن. لكن إشارات عديدة تدل على ظهوره خلال السنوات المقبلة، إشارات متعلقة باحتكاك الفنانين بكل أنواع الفنون حول العالم. وفي اعتقادي أن الجيل اللاحق هو الذي سيعمد إلى بلورة وإظهار هذا المسرح الجديد.