ليلة القبض على المتاحف

روجيه عوطة
الجمعة   2015/03/27
لطالما اندرجت زيارة المتاحف في برامج الرحلات المدرسية، أو المقاصد التخصصية، من دون أن تتركز في المبالاة العامة (علي علوش)

الليلة، سيُختم الشهر الفرنكوفوني بفتح أبواب المتاحف في لبنان أمام المهتمين بزيارة البعض منها، أو كلها دفعة واحدة. هذه الخاتمة ستكون مجانية، فلن يدفع الزائر ثمن بطاقة الدخول، وسيجني من هذه المناسبة ما استطاع من مُشاهدة ووقوف على ما تحتويه مواضع التحف والآثار. ذاك، أن الأخيرة ليست مشرّعة أمامه على الدوام، ثم أنه، في الكثير من الأحيان، يغض ذاكرته عن وجودها المشتت بين المدن، وفي قلب كل مدينة. فلطالما اندرجت زيارة المتاحف في برامج الرحلات المدرسية، أو المقاصد التخصصية، من دون أن تتركز في المبالاة العامة، أسوة بباقي الأمكنة، أو ما يسمى "الفضاءات"، التي يتوجه إليها "المواطن" بهدف المشاركة في نشاط، الإستجمام، أو الإجتماع. على هذا الأساس، الليلة الجمعة 27 آذار، والتي تنظمها "وزارة الثقافة"، هي فتح لغرار موطني، تكون المتاحف عليه لبعض الساعات ثم تعود إلى منوالها المتأرجح بين شبه الإيصاد والتسكير.

في العام 2014، اعتمدت الوزارة الخطوة نفسها. وبذلك، كانت تحاكي تقليداً أوروبياً رسمياً، انطلق قبل سنوات، وهدفه إحياء المتاحف عبر استقطابها زواراً جدد، لم يتمكنوا حتى بداية فصل الربيع من الذهاب إليها، والتنقل في مبانيها. ولأن الفرانكوفونية على ارتباط بهذا التقليد ودوله، وعلى رأسها فرنسا التي بادرت إليه منذ العام 1999، قررت الوزارة اللبنانية تطبيقه، لتكون نهاية الشهر الفرانكوفوني بمثابة بداية مؤقتة وقصيرة لليلة متحفية، أو بالأحرى "حضارية"، الغاية منها، بحسب القيمين عليها، هي "الإطلاع على تاريخ البلد وعلى إبداع أهله".

اقتصرت "ليلة المتاحف" اللبنانية، العام الماضي، على أربعة مواضع في بيروت. أما اليوم، فتحل خارج العاصمة، لتتضمن عشرة منها بين الكورة وكسروان وصيدا. مع الإشارة إلى تأمين حافلات لنقل الزوار بينها على طول ساعات النشاط، التي ستمتد من الخامسة عصراً حتى الحادية عشرة ليلاً، ويتخللها احتفاء موسيقي، بالإضافة إلى عرض بصري رئيسي في "المتحف الوطني". إذ ستتحول واجهاته إلى شاشات عملاقة، تظهر عليها صور تحف وتماثيل وآثار على اختلاف أنواعها. بالتالي، سيكون "المتحف الوطني" محورياً هذه "الليلة"، ساعياً إلى جذب المتاحف الأخرى نحوه، وتشكيل خريطة واحدة معها، حتى لو كانت المسافة التي تفصله عنها بعيدة، فهو الموضع الرسمي، ولهذا الأمر، عليه أن يتألق أكثر، ويسلم واجهته لنشاط عالمي، لتكون "واجهة الشرق على الغرب".

وبإضافة متاحف غير بيروتية إلى "الليلة"، من المتوقع أن يتضاعف عدد الزائرين، الذين فاق عددهم 4500 زائر، العام الماضي. فاليوم ستُفتح أبواب "متحف المعادن" في جامعة القديس يوسف المقابل للـ"متحف الوطني"، ومتحف "ما قبل التاريخ" التابع للجامعة نفسها، مثلما سيشارك في "الليلة"، كل من فيلا عودة، ومتحف الجامعة الأميركية، ومتحف مصرف لبنان، وقصر دبانة في صيدا، ومتحف كاثوليكوسية كيليكيا للارمن الارثوذكس في انطلياس، ومتحف الارمن الكاثوليك في دير سيدة بزمار في كسروان، والمتحف الاثنولوجي في جامعة البلمند في الكورة.

وعليه، لن تقتصر الآثار على حقبة زمنية بعينها، أو تنتمي إلى حضارة محددة. على العكس، ستتنوع مصادرها وحقباتها وأنواعها، من الفسيفساءات والقطع الفنية والأشكال الهندسية إلى العملات، والمخطوطات والمنمنمات والسجاد والتذكارات. إذاً، تتجمع هذه المتاحف جميعها بفتح أبوابها مجاناً، فلا تقبض ثمن بطاقة الدخول إليها، بل هو غرار عمومي تكون عليه خلال ليلة واحدة، قبل أن تعود، مثلما كانت قبلها، عدد من المعالم، التي يدخلها الجميع، "المواطنون" وغيرهم، كسيّاح. والحال، أن نشاط الفتح المتحفي قد يكرس سياحة المتاحف، ويتركها معالم لإمتناع الناس عن زيارتها لاحقاً، وذلك، بالبعيد من مبالغات التعرف على "الهوية الحضارية" ومشيديها القدامى. متاحف لساعات قليلة، ومعالم لباقي السنة، إنها ليلة للتَسَيُح اللبناني المستمر.