بلال المصري: حان الوقت لدِين يقدس الإنسان

حاورته: عناية جابر
الثلاثاء   2014/11/25
"لاتصال إيجابي مع الماضي، فالانتصار أن ننسى لا أن نتذكر"

بلال المصري شاعر لبناني شاب، وخاض أيضاً كتابة الرواية وقصص الأطفال. تلفت في كتابته الشعرية رغبته في إنشاء تلك الحوارية بين قصيدته وبين الأفكار الكبيرة، كما بينها وبين نفسه. عن مجموعته الشعرية الصادرة حديثاً "تصاعد الياسمين كالرصاص"، كان هذا الحوار:

- "تصاعد الياسمين كالرصاص هي مجموعتك الشعرية الأخيرة والتي ضمت مجموعة حواريات "اللعب العظيم"، ماذا أردت أن تقول من خلال هذه الحواريات؟

* هي محاولة لفهم الذات وعلاقتها بمحيطها من خلال التقدم نحو مناطق لم تقترب من قبل، فمن المهم جداً أن يؤسس الإنسان حوارا مع نفسه ليعرفها ويفهمها، فغالبا ما نظن أن نحن هو ما قاله الأخرين عنا وحسب، وبالتالي ما يقوله الآخرون عنا ليس حقيقة بالضرورة لذلك على الإنسان إكتشاف حقيقته بنفسه فأن تكون أنت، هذا يعني أنك تخطيت كل الصعاب مع ذلك أنت في ورطة كبيرة مع نفسك، وفي هذا الإطار كتبت مجموعتي الحوارية "اللعب العظيم" وكنت أريد أيضاً من هذه الحواريات إعادة تشكيل صورة الواقع مع ما يتناسب وقدرتي على التحمل، أقصد تلك الأحداث الدموية التى تعصف بمحيطنا والعالم. فنحن الذين نكتب لسنا من البشر ولا من الملائكة ويمكن لأي كان كسرنا.

- أصدرت مجموعتك الشعرية الأولى "عتم المرايا" ثم رواية "الجدران تتعرى لظلي" وبعدها قصص للأطفال "كان يا مكان" وأخيراً عدت للشعر في" تصاعد الياسمين كالرصاص"، سؤالي لماذا الشعر والقصة والرواية، هل هي الحيرة ببلورة شخصيتك الادبية أم ماذا؟

* في الواقع ليست الحيرة في تحديد شخصيتي الأدبية أن أكون شاعراً أو قاصًا أو روائياً. ما يقلقني هو أنني أريد أن أكون إنساناً لا ملاكاً ولا اريد أن أكون بينهما في حيرة، لذلك أحاول طرق كل مجالات الادب فأحياناً يصعب أن يقول الإنسان ما يريد قوله ولو كتب آلاف الكلمات، وأحياناً يقول ما يريد بكلمة واحده هذا يفسر محاولاتي المختلفة التي ذكرتي، ومن ناحية أخرى الآداب تتوالد من بعضها البعض فكم من رواية فيها الكثير من الشعر وكم من قصيدة فيها الكثير من القصة وكم... بالتالي الكاتب الحقيقي لا يسعى الى صنف أدبي ليبرز من خلاله ولا لحمل لقب أدبي يتباهى فيه أنما يعتبر كل ذلك أعباء لا تطاق وهو في دائرة بحثه يحاول إيجاد شيء فقده ويحاول خلق عالمه الخاص داخل هذا العالم.

- تقودني إجابتك الى سؤال آخر.. لماذا تكتب؟

* هناك أجوبة عديدة على سؤالك لكن في هذه الأوقات التى يمر بها العالم والمنطقة بشكل خاص، أكتب لأقول شيئا للذين بإمكانهم تغيير العالم، الذين يملكون القوة والذين يملكون المال والذين أيضاً يملكون الكلمة، أكتب لأقول لهم أنه صحيح كل شيء مع التكنولوجيا قد تطور، لكن الإنسان بقي في غياهب التاريخ الغابر فكم من المجتمعات التي تعتبر نفسها متقدمة تعيش وتبني على أساس اساطير ومعتقدات قديمة. إن هذا الاتصال السلبي مع التاريخ يميت الإنسان والإنسانية بأحدث أدوات التكنولوجيا المتطورة. أكتب لأقول حان الوقت لبناء الإنسان حان الوقت للإتصال الإيجابي مع التاريخ والماضي فالانتصار أن ننسى لا أن نتذكر، هذه هي طبيعتنا الأصلية، ومن يريد للعالم أن يكون حراً عليه أن يؤمن أن في البحر الكثير من الملح يكفي جميع الناس، وأن الأرض تكفي لجميع الناس، وما من ضيق في مساحات المعتقدات التي يأمن بها الناس من مختلف المشارب. وأقول حان الوقت لظهور دين جديد يقدس الإنسان ويمنحه حرية المعتقد والممارسة والعيش بكرامة.

- هل تعتقد أن الفن والأدب بشكل عام والشعر بشكل خاص بإمكانه التأثير والتغير بالواقع؟

* في الواقع أي فعل إنساني هو محفز ومؤثر في الواقع الذي نعيش، ولا أبالغ أن قلت أن الشعر بطبيعته الكلية والاصلية هو من أكثر الفنون تأثيرا بالانسان والطبيعة أيضاً، فالشعر كما أعرفه هو الحب، حيث يكون الحب يكون الشعر، الأم وهي ترضع ابنها تمثل صورة شعرية عميقة. مثلاً في الآونة الأخير برزت صورة لطائر يحاول انقاذ فراخه هذا شعر، الهندسة المعمارية الجميلة هي شعر، واللوحات العظيمة هي شعر، كل الفنون والعلاقات الانسانية تنطلق من الأحاسيس الانسانية والغرائزية الطبيعية هذا هو الشعر فكيف نقدر مدى تأثيره القوي في الإنسان والطبيعة انه القوة التي لولاها لضرب الفناء العالم، فالشعر ليس الكلمات وحسب أنه الصمت أيضاً.

- هل بالإمكان اعتبار الكتابة مهنة؟

* الكتابة عديدة الأوجه، لكن في ما خص الشعر، والقصة، والرواية، لا أصنفها كمهنة اعتقد أن الكتابة هي رسالة إنسانية عظيمة يختار الانسان ان يقدم من خلالها شيئا للعالم، ولذلك نجد في العالم المتحضر تقديرا كبيرا للكتاب وتقدم لهم الجوائز المعنوية والمادية وهذا ليس كمقابل لعمل بعينه بل لتقدير فنه دون تقيده باي شرط، لذلك يعيش الكاتب الغربي بكرامته، بينما هذا لا يحدث في عالمنا العربي، فالجوائز الموجودة تمنح انتقائياً والتقدير يكون على حسب قربك من السلطة او من تيار سياسي.

- إذن، من أين يعيش الكاتب في العالم العربي؟

* الكاتب في العالم العربي يعيش في مأساة، فإما أن يخضع للسلطة ومرادها وإما أن يموت من الجوع هو وأطفاله، هذا ليس مبالغة، بل أمراً واقعاً وحقيقياً، طبعاً لا تجري الامور بهذه البساطة وهناك تعقيدات لفهم الامور وكيف تحدث لكن في المحصله هذه هي الصورة النهائية لواقع الكاتب في العالم العربي.

- ماذا بعد مجموعتك الشعرية الأخيرة؟

* قريباً ستصدر مجموعتي الشعرية الجديدة "مذكرت جلب للسعادة"، وتعيد مؤسسة "أروقة" في القاهرة، بالتعاون مع "نادي نجران الأدبي" طباعة روايتي "الجدران تتعرى لظلي" وأيضاً أنجزت مجموعة قصص للأطفال "هيبو والفصول" ومسرحية شعرية بعنوان "تواليت" وستصدر هذه الأعمال تدرجياً.

- لمن تقرأ من الشعراء الكبار وايضاً من يلفتك من الشعراء الشباب؟

* أحب أن أقرأ لشعراء من أمثال، وديع سعادة وبوول شاوول وغيرهما. ومن الشعراء الشباب المجايلين أحب أن أقرا لصديقي الشاعر صالح زمانان هو من الشعراء المميزين والذين أحب كتاباتهم وأيضاً للشاعرة مريم خريباني والشاعرة فيوليت ابي جلد و أيضاً الشاعرة أسماء الحج.