الرواية اليمنية تعاند: ناشر وحيد وقرّاء شِعر ودِين

صنعاء - فتحي أبو النصر
الإثنين   2014/11/24
الروائي سمير عبد الفتاح: أشكّ في أن أحداث اليمن لها تأثير جّدي في ظهور الروايات الأخيرة
خلال السنوات القليلة الماضية، نشطت كتابة الرواية في اليمن متجاوزة للأسلوب التقليدي، كما للمضمون غير المتجدد وبمخيلة غير مستعارة تنحاز الى قيمة الانسان في الواقع. لقد انطلق روائيون شباب مفعمين بالحداثة وإثارة القلق، ليضعوا مفاتيح شخصياتهم الروائية بين أيدينا، على أمل إمكانية فتح الأقفال الوجودية المغلقة، والشاهد أن عمر الرواية اليمنية تجاوز الـ80 عاماً، لكن منذ صدور رواية "فتاة قاروت" لأحمد السقاف، في العام 1927  ظل الإنتاج الروائي ضئيلاً بحيث لم يتجاوز حتى الآن 200 رواية.

وعلى مدى أربعة عقود، استمرت السطحية سمة واضحة في غالبية الأعمال، وحتى خلال السبعينيات والثمانينيات، كانت معظم الأعمال الروائية عبارة عن تداعيات وعظية أو إيديولوجية مباشرة، تفتقر إلى التكنيك الفني والارتقاء إلى مستوى الرواية أصلاً. لهذا السبب لم تصل النصوص السردية المصنفة كروايات حينها إلى مصاف مرموقة عربياً ودولياً سوى اعمال لا تتجاوز عدد اليد الواحدة كروايتي "الرهينة" لزيد دماج، ورواية "صنعاء مدينة مفتوحة" لمحمد عبد الولي، وهما من السرديين الرواد في اليمن وترجمت أعمالهما إلى عدة لغات.

على ان أكثر من نصف الروايات اليمنية صدرت بعد العام 2000، إذ لم تتجاوز الروايات الصادرة حتى العام 1970 عدد أصابع اليدين، بينما شهدت الفترة من 1970 – 2000 إصدار ما يقارب خمسين عملاً. أما بقية الروايات فصدرت بعد ذلك.

والحاصل ان جيل التسعينيات هو من ساهم في خلق التراكم المطلوب وإنعاش المد السردي روائياً وكسر الاحتكار التاريخي للرواية اليمنية، ومن بعده كتاب الألفية الجديدة طبعاً، حتى ان هناك روائيين يمنيين من الجيلين نجحوا وصار لهم جمهورهم وترجمت أعمالهم لعدة لغات.

وهذا العام صدرت قرابة عشرين رواية ليبدو الإنتاج شحيحاً قياسا بالإنتاج الروائي العربي، إلا أن الرواية اليمنية تشق طريقها في ظروف صعبة أبرزها وضع المبدع اليمني المحصورة همومه في لقمة العيش في المقام الأول، إضافة إلى عدم قدرة غالبية الروائيين على دفع تكاليف النشر في الخارج، وميول القراء المنحصرة على الشعر أو الكتب السياسية والدينية، فضلاً عن إشكالية النشر المحلي الذي يحصر الأعمال في الداخل فقط، ولا يشجع تسويق الرواية الصادرة كما ينبغي، وصولاً إلى شحّ القارئ السردي الحديث في مجتمع تنتشر فيه الأمية على نطاق واسع.

 إلا أن أسماء مهمة بدأت تجتاز معوقات النشر مثل علي المقري وحبيب سروري ومحمود ياسين وجمال حسن ومروان الغفوري وسمير عبد الفتاح ووجدي الاهدل ونادية الكوكباني ومحمد الغربي وبشرى المقطري ونبيلة الزبير واحمد زين ووليد دماج، وكنا فوجئنا بأسماء واعدة كطلال قاسم وحنان الوادعي وهند هيثم وياسر عبد الباقي وبسام شرف الدين.

ومن المهم الإشارة إلى أن معظم هؤلاء نشروا أعمالهم في الخارج، بينما أسماء مهمة أخرى دأبت على نشر أعمالها في دور نشر محلية، رغم أن الدور المحلية لا تنم عن ترويج لائق حتى على مستوى الإعلان في صحيفة إضافة إلى انغماسها في التسويق السيء والمحدود تماماً، ولذلك كان من الطبيعي أن تتكدس أعمال الناشرين عبرها فلا تلقى حظوظها في المبيع والرواج، على عكس الأعمال المنشورة في دور نشر لبنانية أو مصرية أو خليجية.

وفي مكتبة "أبو ذر الغفاري" بصنعاء، يمكنك أن تشاهد إقبال القراء على روايات يمنية بشكل ملفت جداً، وهو ما ينبئ عن التوق القرائي الذي لم يكن متوقعاً. ويقول عبد صاحب المكتبة، الجبار العتواني، لـ"المدن": "نشعر بالارتياح من حجم الاقبال على هذه الاعمال من قبل الجمهور ونرى بأن القارئ لا يجتذب الى الأعمال الروائية اليمنية إلا بعد اهتمام وسائل الإعلام بها وتسليط الضوء عليها، لكن للأسف الصحافة الثقافية اليمنية في أسوأ مراحلها حالياً، ولا ينقص الروائي اليمني سوى الثقة بمنتجه والترويج له وان يدفع به إلى البوكر". 

 والعام الجاري شهد رواجاً روائياً ملفتاً قياساً بالأعوام الماضية. ولعل ابرز الأعمال اليمنية الروائية هي تلك التي تجابه المؤسسة الدينية، والذكورية، والسياسة السائدة. على أن هناك أعمالاً روائية تميل الى التفاصيل وجوهر الأشياء. يقول الروائي طلال قاسم، صاحب رواية "الواحد 2013" لـ"المدن": "بالنسبة إليّ الكتابة بشكل عام هي محاولة لممارسة الحياة والتنفس من خلال فضاء الفكرة وأزقة اللغة، والكتابة الروائية هي القالب الأمثل للتعبير عن معارفنا وآمالنا وهواجسنا نحو الحياة بمختلف أبعادها الاجتماعية والسياسية والنفسية والفكرية والأدبية والفلسفية والمادية". ويضيف: "أنا أؤمن أن الواقع المتحول والمضطرب والمتغير الذي نشهده اليوم بكل تحولاته السلبية والإيجابية لا بد أن يخلق نوعاً من حركة إبداعية تواقة للخروج من مأزق الواقع ومحدودياته إلى فسحة الكتابة ورحابتها اللامحدودة، خصوصاً في مجال الرواية، هذا المجال الذي يعبر فيه الكاتب عن كل خيالاته وأمنياته وهواجسه التي يعيشها ويريد أن يتجاوزها ولو من خلال الفكرة السردية. ولطالما كان كل تحول واضطراب وحركة سبباً في الإنتاجية الإنسانية في غالب الحضارات، خصوصاً تلك الإنتاجيات الذهنية التي لا تتقيد بجلافة أو قيود أو تحولات الواقع، بل تتفاعل معها بشكل اندفاعي وخلّاق".

جيل التحولات
فاز بعض الروائيين اليمنيين بجوائز سردية عربية مشجعة خلال الأعوام الماضية. هؤلاء يصنعون جسراً سردياً للوصول إلى آفاق أدبية أرحب. وهم جيل التحولات الجذرية سياسياً وثقافياً، بينما يتخذون من البوح وسيلة مقاومة لمواجهة الاستلاب الجاثم. وبالرغم من ارتباكاتهم ومكابداتهم، يؤسسون لازدهار روائي مستقبلي. بمعنى آخر، هم لا يراهنون على الضجيج بقدر عدد القراء، كما تكشف أعمالهم تطور حركة السرد، بكل دلالاته التي تعتمل على صعيد الوعي والرؤية.

يقول الروائي سمير عبد الفتاح  لـ"المدن": إن الاختلاف بين روائي وآخر، ورواية وأخرى، هو مقدار الاخلاص في الكتابة. لذا يظهر التباين بين الكتّاب والروايات. ودوماً كل رواية جديدة بمثابة إختبار للروائي. فقد توجد وسائل مساعدة يستخدمها الروائي في كل مرة، لكن في كل مرة عليه ابتكار رواية جديدة تخبر الآخرين إنه ما زال روائياً. وازدهار الرواية مرتبط أساساً بكمية الضوء التي تُسلط عليها في زمن ومكان ما، وايضاً يمكن الإضافة إلى ان (تسمية الازدهار) هو اساساً لعبة تقديرية تعتمد على (مزاج) الآخرين أكثر منها حقيقة مجردة".

لكن عبد الفتاح الذي له ثلاث روايات "السيد ميم  2007" و"ابن النصر  2008"  و"تماس - حياة اخرى  2014"، يستدرك ويوضح: "الرواية في اليمن تُكتب دوماً وأحسب أنني أعرف كثيرين ممن لديهم مشاريع روائية في طور الأكتمال أو أكتملت فعلاً، لكن عوامل النشر هي التي تؤخر إصدارها لفترة قد تكون قصيرة وقد تكون للأبد. قد تختلف تلك المشاريع الروائية وقد تتفق في التصنيف مع المقاييس المتعارف عليها في فن الرواية، لكن يحسب لأصحابها مغامرتهم واشتغالهم على الرواية في مناخ مشوش لا يساعد على نمو الفن الروائي. وفي هذا الإطار أيضاً صدور عدد من الروايات مؤخراً سواء عبر ناشرنا اليمني الوحيد "مركز عبادي للنشر" أو ناشرين في لبنان ومصر، لكن ظهور الأمر على انه مرتبط بالاحداث الأخيرة التي مررنا ونمر بها حالياً، فيه الكثير من عدم الدقة. فتوجد كثير من الشكوك - على الأقل بالنسبه لي - في أن ما حدث في اليمن خلال الاعوام الماضية له تأثير جّدي في ظهور هذه الروايات، صحيح أن هناك تأثير للواقع المرتبك حالياً بدرجة ما لكن هذا التأثير لا يصل إلى درجة تكوين اتجاهات أو روئ من أي نوع سواء ايديولوجية أو فكرية".

هذا هو المشهد الروائي في اليمن حالياً، هو في واقع مربك، لكن له أفق.