مبادرة "الأرض الحرام" لتشجيع الاستثمار شمال سوريا..هل تنجح؟

عقيل حسين
الثلاثاء   2022/07/12
أطلقت منظمة "غلوبال جستس" الأميركية-السورية مبادرة مشتركة مع "التحالف العربي الديموقراطي" تهدف إلى تهيئة مناطق سيطرة المعارضة السورية في الشمال لجذب الاستثمارات، في ضوء إعفاء الولايات المتحدة لهذه المناطق من العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا.

انطلاقة تأسيسية
المبادرة التي حملت عنوان "الأرض الحرام" ركزت بشكل رئيسي على ضرورة العمل من أجل إلزام الفصائل العسكرية بمغادرة التجمعات المدنية في هذه المناطق، وتجريم أي شكل من الاقتتال الداخلي في ما بينها، مع السعي للإصلاح الإداري والقانوني، "بما يؤدي إلى إيجاد بيئة آمنة للاستثمار والتنمية في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة المؤقتة والجيش الوطني".
وانطلقت المبادرة من الاستثناء الأميركي الأخير من عقوبات قيصر، الذي صدر قبل ثلاثة أشهر عن وزارة الخزانة، وشمل مناطق (منبج و الباب وعين العرب وإعزاز وجرابلس)، لتوضح أن "على السوريين أن يتأكدوا بأنفسهم، ويؤكدون لغيرهم، أن هذه المناطق صالحة لتكون نماذج تحتذى من ناحية الأمن والإنصاف القضائي وانعدام الفساد واستقرار السلم الأهلي، حتى يتسنى للمستثمرين الوطنيين الاستثمار في بلدهم وتنمية مدنه وأريافه، على أمل أن تُعمَّم هذه المبادرة لتصبح في ما بعد كل سورية أرضاً حراماً على الجميع".
وأضافت "إذا ما استطعنا إثبات أن هذه المناطق الخمس، التي اتفقت على إمكانية الاستثمار فيها قوتا النفوذ الدوليتان، الأميركية والتركية، فيمكن أن تكون نقطة بداية كي يحل الأمان في الشمال السوري كلّه، لنُري العالم أننا قادرون على النهوض بأصغر أرض في بقاع بلدنا وأن ننشر العدل فيها". وشدّد المبادرون على أن هذه المناطق الخمس لا بد أن تكون آمنة حتى تستقطب رجال الأعمال السوريين وغيرهم.

معوقات
ورغم تسليم نسخ منها، إلى كل من الائتلاف السوري، والحكومة المؤقتة، وهيئة التفاوض المعارضة، بالإضافة إلى رئيس المجلس الاسلامي الشيخ أسامة الرفاعي، إلا أن أياً من هذه الجهات لم تصدر حتى الآن موقفاً رسمياً حيالها، الأمر الذي عزز من التساؤلات حول امكانية ترجمة المبادرة ونجاحها، في ظل عجز مؤسسات المعارضة السياسية عن فرض سيطرتها وقرارها على القوى المتنفذة في المناطق الخاضعة للنفوذ التركي شمال غرب البلاد.
ولا تقتصر المعوقات أو العراقيل التي حدّت من إصلاح الوضع في هذه المناطق باستمرار، على القوى العسكرية المنتشرة هناك وممارساتها فيها، والتي تشمل فرض أتاوات وارتكاب التجاوزات، بالإضافة إلى تكرر الاقتتال في ما بينها، ما فاقم من تردي الأوضاع الأمنية، بل تشمل أيضاً المجالس المحلية التي لا تقل ممارساتها السلبية تأثيراً عن دور القوى العسكرية.
وبالنظر إلى الاستقلالية التي تتمتع بها المجالس في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، وتبعيتها للولايات التركية، فقد فقدت الحكومة المؤقتة سلطتها على المناطق التي تديرها هذه المجالس، كما أصبحت تمثل جزراً منفصلة تطبق في كل منها قرارات خاصة بها، مع غياب أي تنسيق، ما خلق مشاكل إضافية يرى الكثيرون أنها كفيلة بإفشال المبادرة.
لكن نائبة رئيس منظمة "غلوبال جستس" ميساء قباني ترى أنه من خلال التعاون مع الدول الفاعلة يمكن تطبيق هذه المبادرة.
وتقول في تصريح ل"المدن": "ندرك حجم الصعوبات وعمق الأزمة التي تعيشها المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، لكن يجب أن نبادر لتغيير هذا الواقع ونقول للعالم إننا قادرون على الانجاز من خلال اقامة نموذج للحوكمة والإدارة في هذه المساحة الصغيرة من سوريا، والتي نأمل أن تشكل نموذجاً لما يجب أن تكون عليها بلادنا في المستقبل".

شكوك
إلا أن الشكوك لم تقتصر على إمكانية استجابة الفصائل العسكرية والمجالس المحلية لهذه المبادرة، بل شملت أيضاً الدوافع التي تقف خلف إطلاقها، حيث رأى البعض أنها جزء من مساعي بعض رؤوس الأموال السورية في الولايات المتحدة للاستثمار لتهيئة المناطق الخارجة عن سيطرة النظام من أجل استثمار أموالهم فيها.
ومنذ إعلان الإدارة الأميركية عن الإعفاءات الخاصة بهذه المناطق من العقوبات، بدأ الحديث عن دور هذا اللوبي في إصدارها، الأمر الذي لا يرى فيه الكثيرون أمراً سلبياً، إن صحّ، بل يعتقدون أنه يجب  العمل على توظيفه واستثماره بما يخدم هذه المناطق وسكانها من خلال ضبطه بالقوانين وتعزيز العمل المؤسساتي، بالنظر إلى الحاجة الماسة في هذه المناطق للمشاريع الاستثمارية، سواء الربحية منها أو التنموية، للمساهمة في احتواء نسب الفقر والبطالة المرتفعة، وتحسين شروط الحياة فيها، إلى جانب الاستفادة من الكتلة البشرية الضخمة التي تقطنها، والتي تعيش غالبيتها على المساعدات.
وتقول قباني تعليقاً على هذه الشكوك: "نحن لسنا رجال أعمال، ولو أردنا بالفعل الاستثمار لتحقيق المرابح فيمكننا القيام بذلك بسهولة في الولايات المتحدة ذاتها، أو في تركيا، أو في باكستان ولدينا هناك مشاريع خيرية بالفعل معروفة ومعلنة، مثل معمل الأدوات الطبية الذي يجري تأسيسه في لاهور، أو أي منطقة مستقرة من العالم، ولكن من يوجه هكذا اتهامات محق في جانب وحيد، فنحن بالفعل نريد الاستثمار بالإنسان السوري وتنمية مناطقه وتحقيق أبسط قدر من الحياة المدنية الطبيعية فيها".
يذكر أن منظمة "غلوبال جستس" هي منظمة غير ربحية، أسسها في الولايات المتحدة الطبيب السوري هيثم البزم، وتنشط في مناطق عديدة من العالم كالقارة الأفريقية وباكستان وسورية والأردن وغيرها، في مجال الأعمال الإنسانية والدعم الاجتماعي والصحي والثقافي.
أما "التحالف العربي الديموقراطي" الذي تأسس عام 2020 "بهدف حماية وصون منطقة الجزيرة والفرات، التي تضم محافظات (دير الزور والرقة والحسكة) وتحريرها من حزب العمال الكردستاني فيضم شخصيات بارزة في المعارضة.

التعويل على الفاعلين
وتقول مسؤولة التواصل الخارجي في التحالف فدوى العجيلي  ل"المدن"، إن "مبادرتنا (الأرض الحرام) ترمي إلى إنعاش الشمال السوري المحرر بالكامل، وتقديم نموذج متطور من أجل بقية المناطق التي نأمل أن يتم تحريرها أيضاً من سلطة العمال الكردستاني الذي يهيمن على ما تعرف بمؤسستي (مسد) و(قسد) التي تحتل المحافظات الشرقية الشمالية من سوريا".
وحول الأدوات التي يستطيع التحالف توظيفها لترجمة مبادرته تقول: "التطبيق العملي لهذه المبادرة يعتمد على قناعة فصائل الجيش الوطني بأن تبقي المظاهر المسلحة مقتصرة على الثكنات والقطعات العسكرية ومناطق التماس مع العدو، وليس في الأسواق والمناطق المدنية الآهلة بالسكان".
وترى أن هذا الأمر "يجعل من فرصة الاستفادة من الإعفاء الذي يخص المناطق في الشمال الغربي منعدمة تماماً، فكيف يمكن أن يشعر المستثمرون بالأمان والاطمئنان على رؤوس أموالهم، مهما كانت صغيرة أو كبيرة، إذا كان من الممكن أن يفجّر أي خلاف أو شجار اقتتالاً في أي لحظة، ما يؤكد ضرورة الاحتكام إلى المؤسسات المنبثقة عن الحكومة  السورية المؤقتة".
العجيلي التي تؤكد على دور الفاعلين السياسيين بالدرجة الأولى في إنجاح المبادرة، شددت أيضاً على ضرورة "وضع الثقة في حكمة أولئك المناضلين من المقاتلين السوريين الذين هم أيضاً ضحايا لظروف اقتصادية صعبة يعيشها العالم، فكيف بالمناطق المحررة التي يسدون عليها كل الأبواب كما فعل الروس مؤخراً في مجلس الأمن بما يخص ابتزاز المجتمع الدولي في ملف المساعدات".
بينما يرى الكثيرون أن مصير هذه المبادرة لن يكون مختلفاً عن غيرها من المبادرات التي سبق وأن أطلقت من أجل منع الاقتتال بين الفصائل والغاء المظاهر المسلحة في التجمعات المدنية، وتعزيز سلطة القانون والمؤسسات في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة السورية، يقول المتحمسون لها إن ما يميز هذه المبادرة هو ربطها بالاعفاءات الأميركية الممنوحة لهذه المناطق من العقوبات الاقتصادية، ما يمكن ان يسهم في تشجيع القوى السياسية والعسكرية والاقتصادية على التعاون من أجل خلق بيئة جاذبة للاستثمار فيها.