واشنطن تخرج من العراق إلى سوريا..برفقة السعودية والإمارات

عقيل حسين
السبت   2020/09/05
© Getty
شهد الأسبوعان الأخيران الماضيان تزايداً مضطرداً في حركة انتقال قوات التحالف الدولي لمحاربة "داعش" من العراق إلى سوريا، في ما يبدو أنه توجه لنقل التحالف مركز ثقله بالمنطقة إلى قواعده المنتشرة في مناطق سيطرة قوات سوريا الديموقراطية (قسد)، شمال شرقي البلاد.

وقالت مصادر محلية إن نحو 50 آلية تتبع للجيش الأميركي الذي يقود قوات التحالف الدولي، دخلت الأراضي السورية مساء الخميس من خلال معبر الوليد إلى ريف الحسكة قادمة من العراق وهي تحمل معدات عسكرية ولوجستية.

وهذا هو الرتل الثالث الذي يعبر باتجاه سوريا خلال أسبوع، حيث شهد يوم الثلاثاء، دخول ستين شاحنة تحمل تعزيزات عسكرية أميركية اتجهت إلى قواعدها في منطقة المالكية بريف الحسكة.

والأحد الماضي توجّه رتل عسكري أميركي، قادماً من العراق، مكون من آليات وناقلات، إلى القاعدة الأميركية في مطار "خراب الجير" في ريف المالكية شمال شرقي الحسكة. وكان مسؤول أميركي قد صرّح نهاية الشهر الماضي أنّ بلاده ستخفض حجم قواتها في العراق بنحو الثلث خلال الأشهر المقبلة.

وبينما يرى البعض أن عملية إعادة الانتشار الواسعة التي تنفذها قوات التحالف الدولي في المنطقة، تأتي تنفيذاً لاتفاق الإدارة الأميركية مع بغداد على خروج مجدول لهذه القوات من العراق، والذي تم التوصل إليه خلال زيارة رئيس الحكومة العراقية جواد الكاظمي إلى واشنطن في آب/اغسطس، يرى آخرون أن أبعاداً أخرى مهمة تنطوي عليها، خاصة وأن المنطقة التي تنتشر فيها قواعد قوات التحالف في سوريا غنية بالنفط، بالإضافة إلى أهميتها الجغرافية.

وبينما تنتشر قوات التحالف الدولي في عشر قواعد عسكرية في العراق، نصفها في إقليم كردستان، تجاوز عدد القواعد التابعة لها في سوريا الثلاثين، بينها نقاط صغيرة، تتمركز جميعها في المناطق التي تسيطر عليها القوات الكردية المدعومة من التحالف.

ويرى الباحث في مركز "جسور للدراسات" عبد الوهاب عاصي، أن "اختيار الولايات المتّحدة لسوريا كمركز انتشار عسكري لها بديلاً من العراق، ربما يأتي بعد إعادة ترامب في تشرين الأول/أكتوبر 2019، النظر في توجهه السابق للانسحاب من سوريا، عقب الارتباك الذي وقع ضمن مراكز صنع القرار في أميركا مع إطلاق تركيا عملية (نبع السلام) شمال شرق البلاد، وبالتالي فإن التركيز في سوريا سينصب حالياً على تحقيق عدد من الأهداف".

وأبرز ما تسعى له واشنطن على هذا الصعيد، حسب عاصي، ضمان تقويض أي قدرة للسلفيين على استعادة سيطرتهم على الأرض هناك، الأمر الذي ستكون له تداعيات على حالة الانهيار التي يمر بها النظام الإقليمي الذي لا يمكن حمايته من وجهة نظر أميركا بمجرد الاعتماد على نفوذها وقدرتها على التأثير والتغيير، بل يحتاج إلى تواجد عسكري مباشر وكبير، يُعتبر ضرورة أيضاً لحماية الأمن القومي لإسرائيل، وأيضاً في تقويض واحتواء أنشطة إيران بالمنطقة.

وتقع المنطقة التي تنتشر فيها قواعد قوات التحالف الدولي في سوريا، على مساحة تمتد من الحدود التركية في الشمال الشرقي بين ريف حلب وريف الحسكة، ومن الحدود العراقية شرقاً حتى الحدود مع الأردن في الجنوب، بما في ذلك مساحات واسعة من منطقة البادية، التي تطمح طهران الى بسط سيطرتها عليها من أجل استكمال فتح الطريق البري الذي يصلها بشواطىء البحر الأبيض المتوسط مروراً بالعراق.

وبالإضافة إلى الجغرافيا السياسية، يبدو واضحاً الاهتمام الأميركي بالثروات الطبيعية في المنطقة، وهذا ما يفسر غالباً اختيار واشنطن حقول النفط والغاز الكبرى فيها لاستضافة قواعدها العسكرية، حيث تسيطر قواتها على حقل "العمر" النفطي، الذي يعد أكبر حقول النفط في سوريا مساحة وإنتاجاً، ويقع في ريف دير الزور، بالإضافة إلى حقل "التنك"، وهو ثاني أكبر الحقول، ويقع في بادية الشعيطات بريف دير الزور الشرقي.

وإلى جانب حقول الرميلان بريف الحسكة، تستخدم قوات التحالف حقل "كونيكو" للغاز كقاعدة عسكرية لقواتها، وهو أكبر معمل لإنتاج الغاز في سوريا، كما يُستفاد منه في إنتاج الطاقة الكهربائية، ويقع في ريف دير الزور الشمالي.

ولا تقتصر أهمية هذه المناطق على عاملي الموقع الجغرافي والثروات، بل تتجاوزهما إلى العامل الديموغرافي الذي ترى فيه دول التحالف، وخاصة السعودية، مركز ثقل بشري يمكن أن يساهم في التصدي للتوسع الإيراني في المنطقة.

وكانت الأرتال التابعة لقوات التحالف الدولي التي دخلت إلى سوريا مؤخراً قد ضمت بين عشرين وأربعين ضابطاً وعنصراً سعودياً واماراتياً من العاملين في هذه القوات، حيث تُعتبر الرياض وأبو ظبي جزءاً من التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب في العراق وسوريا.

ورغم الحساسية الكبيرة التي تعاملت بها وسائل الإعلام الإيرانية والتركية مع الكشف عن اشتراك قوات من البلدين الخليجيين في عملية إعادة الانتشار التي تجري في سوريا، إلا أن العدد الضيئل لهذه القوات لا يعتبر حسب البعض كافياً للتعامل معه كملف مثير للاهتمام.

ومع ذلك فإن عاصي يرى أنّ تواجد خبراء عسكريين من السعودية والإمارات على الأراضي السورية يهدف غالباً إلى اشراك جيشي البلدين في حماية حقول النفط، لا سيما في الرميلان، خاصة في حال كان هناك دور لشركة "آرامكو" السعودية كمستثمر جديد في مجال الطاقة شرق الفرات، بالإضافة إلى تحسين مستوى العلاقة بين حزب الاتحاد الديموقراطي الذي يقود الإدارة الذاتية الكردية، والمكون العربي في المنطقة الذي يغلب عليه الطابع العشائري، وهو ما ترى فيه السعودية مجالاً حيوياً لها.

ومع أنّه لا يوجد حتى اللحظة أي اجتماع بين وجهاء العشائر في الداخل وبين المستشارين الخليجيين، إلا أنّ هذا الاحتمال يبقى قائماً، كما أن مجرد وجود رمزي للإمارات والسعودية شمال شرق سوريا يدعم سياسات البلدين في الضغط على تركيا عبر تعزيز نفوذ "قسد" هناك، حسب عاصي.

وعلى الرغم من إعلان ترامب نيته سحب قوات بلاده من سوريا مرتين، الأولى بعد السيطرة على آخر معاقل تنظيم "داعش" مطلع العام 2019، والثانية مع الهجوم التركي على مناطق سيطرة "قسد" في مدينتي رأس العين وتل أبيض نهاية ذلك العام، إلا أن واشنطن ما زالت ترسل المزيد من التعزيزات إلى قواعدها شمال شرق سوريا، التي يبدو أنها بالفعل ستأخذ مكان العراق كمركز ثقل للتواجد العسكري الأميركي في المنطقة.