هل النظام بحاجة لمعركة إدلب؟

شادي الأحمد
الخميس   2019/05/23
Getty ©
على غير عادته، لم ينصب النظام حواجزه العسكرية داخل مدينة اللاذقية، وعلى طرق الساحل، رغم العمليات العسكرية في إدلب. النظام اكتفى بإعادة حاجزين على مدخل مدينة اللاذقية، لتصبح ثلاثة، وأعاد التفتيش العسكري لسحب المطلوبين للخدمة العسكرية، فقط خارج المدينة.

اخفاء القتلى

ميل النظام للابتعاد عن التحشيد العالي لمعركة إدلب يبدو واضحاً، لا بل إنه يسعى لاخفاء آثار المعركة، بطريقة مفتعلة وغير ناجعة. بدأ هذا بوصول 86 جثة للمستشفيات العسكرية في مدينة اللاذقية، ما بين 16 و18 أيار/مايو. النظام لم يُسلم الجثث لذويها، ومنع دخول الأهالي للمستشفيات العسكرية، وشتتهم برفضه الإقرار بالمستشفيات التي وضع فيها المصابون والقتلى. فما كان من المئات من ذوي الضحايا إلا التجمع أمام المستشفيات العسكرية، للضغط على النظام للإفراج عن الجثث. الضغط المتواصل دفع النظام للإقرار عن القتلى، مشترطاً عدم إخراج أكثر من جثتين في اليوم، وتشييعهم ضمن المراسم الرسمية.

مصادر "المدن" أشارت إلى أن اللجنة الأمنية لمحافظة اللاذقية قررت عدم إخراج أي قتيل، إلا مع انجاز كافة الترتيبات "حفاظاً" على معنويات الجيش والأهالي أيضاً.

وبرزت أيضاً حالة احتجاجية داخل المدينة، على خلفية سوء العلاج في المستشفيات العسكرية، ما دفع بعض كبار الضباط للتدخل لإخراج بعض المصابين من المستشفيات العسكرية إلى مستشفى تشرين المدني، لجودة الخدمة فيه مقابل المستشفى العسكري. واعقب ذلك احتجاج الأهالي، والتجمهر أمام المستشفيات العسكرية التي تعامل أبناءهم المصابين في معارك إدلب وكأنهم مساجين.

فشل الدعاية

لم تتمكن الدعاية التي بثّها قائد مليشيا "قوات النمر" العميد سهيل الحسن، ومجموعاته الإعلامية، في تحقيق الطمأنينة للعلويين بخصوص المعركة. الفيديو التحفيزي للنمر، الذي نُشر على مستوى واسع وتظهر فيه سيارات من طراز الشحن، وهي مخصصة للنقل أكثر مما هي تُظهر سمة عسكرية.

كما أن تزايد عدد المصابين من "اللواء 44"، وأكثر جنوده من مدينة اللاذقية، قد نشر الذعر بين الناس من الحرب، على خلاف أي دعاية حاول النظام تحقيقها.

واستنكف شباب العلويين عن التواجد في شوارع اللاذقية منذ بداية معركة إدلب خوفاً من حالة التجنيد الهستيرية التي قد يلجأ إليها النظام.

وبرز في المعركة أيضاً انتفاء قدرة النظام على تحريك وتحفيز المليشيات التي يقودها في اللاذقية كمليشيا "كتائب البعث" و"الحزب القومي السوري الاجتماعي"، إذ لم يتم جمع أكثر من 300 مقاتل منهما لمعركة إدلب.

عطالة المعركة

مصادر "المدن" أشارت إلى أن أغلب من يحمل السلاح من "حزب البعث"، ويتلقون راتباً وباتوا مثبتين في "الوظيفة"، "لا يُريدون القتال". وحتى المجموعات التي تم ضمها للمليشيات المقاتلة في ريف اللاذقية، لم تحظَ بقبول أو تعاون من مجموعات سهيل الحسن أو المجموعات التي يقودها الإيرانيون. فالروس لا يتعاونون جوياً إلا مع مجموعات محددة تحت قيادتهم.

مصادر "المدن" أكدت أن مركز البصة للتجسس، الذي استولى عليه الروس، لم يعد يتعاون مع القوات المقاتلة السورية على الرغم من فرز عشرات الموظفين للعمل فيه من فرع "أمن الدولة" في اللاذقية. وكل ذلك، يجعل النظام معزولاً عن المعركة، ومنخرطاً فقط في دعايتها التي تبدو رخيصة وساذجة.

وحتى الصفحات الإعلامية الهامشية تبتعد تماماً عن ذكر أخبار المعارك، خاصة مع الدفاع العنيف للمعارضة على جبهة ريف اللاذقية. السكان عموماً، باتوا يعترضون على فتح جبهة جبل الأكراد، مطالبين النظام سراً وعلانية، بترك الجبهة لأنها غير ذات قيمة. ويسود شعورٌ واضح في الشارع العلوي بعدم أهمية المعركة، لا بل والعزوف عن المشاركة فيها لدرجة مستفزة. الروس طلبوا من ضباط إيرانيين تعرضت منازلهم للقصف الإسرائيلي في ريف حماة قبل أيام، للالتحاق بجبهة اللاذقية للانضمام للمعركة.

معركة ضرورية؟

تبدو معركة إدلب ضرورية، بالنسبة للإيرانيين والروس، وبعض السوريين الذين لم يعودوا تابعين للنظام بشكل واضح كسهيل الحسن. أما النظام، فقد بات بالفعل معزولاً عن مجريات المعركة. ومع ذلك، يحاول النظام مبارزة الجانبين الإيراني والروسي، والقول إن لا رضا شعبياً عن الحرب، إن لم يكن هو في واجهتها. وهذا بات واضحاً من طريقة إرسال النظام لقوات عسكرية مشتتة، مختلفة الانتماءات عسكرياً، ومن قواعد عسكرية مختلفة، لجبهات تشهد أعنف المعارك والخسائر.