"دواعش" حوض اليرموك إلى بادية السويداء الشرقية

سيباستيان حمدان
الأربعاء   2018/08/01
نُقل "الدواعش" سراً إلى بادية السويداء (Getty)
انتهت عملية إخلاء سرية لمن تبقى من مسلحي "جيش خالد بن الوليد" المبايع لـ"الدولة الإسلامية"، الإثنين، من حوض اليرموك غربي درعا إلى بادية السويداء الشرقية، بعد مفاوضات بين النظام وقيادة التنظيم.

وبدأت المفاوضات بين ضباط من "الفرقة الرابعة" و"الفرقة التاسعة" وقيادة التنظيم، في مساكن جلين العسكرية، التي سيطرت عليها قوات النظام في حوض اليرموك.

وسبق ذلك، أن عرضت قوات النظام على قيادة التنظيم في بادية السويداء، في 23 تموز/يوليو، قبل بدء معركة حوض اليرموك، نقل مقاتلي "جيش خالد" وعوائلهم من دون أسلحتهم إلى بادية السويداء. لكن التنظيم رفض ذلك. وبعد بدء المعركة وتقدم مليشيات النظام وسيطرتها على أجزاء من حوض اليرموك، عادت المفاوضات، بسبب تعثر العمليات العسكرية نتيجة مقاومة التنظيم المتحصن في بلدتي الشجرة وعابدين. المقاومة أفشلت محاولة النظام التقدم لأكثر من 3 أيام.

وتوصلت قوات النظام وقيادة "جيش خالد" إلى اتفاق بخروج مقاتلي التنظيم من بلدات عابدين والشجرة وبيت أرة وكويا ومعربة، أخر معاقل التنظيم في مثلث الحدود السورية مع الجولان المحتل ومع الأردن. ونص الاتفاق على تسليم التنظيم لكامل أسلحته الثقيلة، سليمة، والسماح بخروج عناصره مع سلاحهم الفردي.

وخرجت الدفعة الأولى من عناصر التنظيم، بشكل فردي، صباح الأحد، نحو الكراع والدياثة في بادية السويداء. واستمرت عملية الإخلاء حتى الإثنين، وبلغ عدد المقاتلين الإجمالي الذين تم إخلاؤهم إلى بادية السويداء، بحدود 500 مقاتل.

قوات النظام نقلت عناصر التنظيم، سرياً، بشكل فردي عبر حافلات وسيارات شحن، على مدار يومين، تخوفاً من إثارة أي ضجة إعلامية، عقب المجازر التي ارتكبها التنظيم في قرى السويداء الشرقية، قبل أسبوع. وسبق أن نقلت قوات النظام "دواعش" مخيم اليرموك جنوبي دمشق إلى ريف السويداء الشرقي، في أيار/مايو، ما ساهم بتعزيز قوات التنظيم شرقي السويداء، وما قاد إلى تنفيذ هجمات "الأربعاء الأسود" التي راح ضحيتها 300 مدني من دروز السويداء.

كما تابعت قوات النظام، الثلاثاء، نقل آخر دفعة من "دواعش" حوض اليرموك، إلى حوش الحماد في منطقة اللجاة شمال غربي السويداء. إخلاء القسم الأخير من مسلحي "جيش خالد" إلى حوش الحماد، جاء بناءً على طلب "الدواعش"، بعدما كان النظام ينوي نقلهم بالكامل إلى بادية السويداء.

وذكرت "شبكة السويداء 24" أن التنظيم اشترط الافراج عن 100 مقاتل من صفوفه معتقلين لدى قوات النظام، مقابل الإفراج عن 30 مختطفاً من السويداء، أغلبهم من النساء والأطفال. ووافقت قوات النظام على ذلك الشرط، ومن المتوقع أن تجري عملية التبادل خلال الأيام القليلة المقبلة.

ويُقدّرُ العدد الإجمالي لمسلحي "جيش خالد" الذين تم نقلهم إلى باديتي السويداء الشرقية والغربية، بحدود 800 مقاتل. ووجود التنظيم في منطقة حوش الحماد، يشكل خطراً كبيراً على السويداء، نظراً لإعادة انتشار التنظيم وتغذية خطوط إمداده في البادية السورية. فالتنظيم يملك علاقات جيدة مع تجار البدو القادرين على تسهيل نقل المسلحين، عبر الأوتستراد الدولي، بين أرياف السويداء ودرعا.

ولا تزال تفاصيل صفقة نقل مسلحي "جيش خالد" غير واضحة. وطرق نقلهم غير معروفة، ومن المعتقد أن يكون إخلاؤهم قد تمّ عبر القلمون الشرقي نحو أبيار القصب وصريخي إلى الدياثة والكراع، كما هو الحال في صفقة إخلاء "دواعش" مخيم اليرموك سابقاً.

وكانت أعداد قليلة من "الدواعش" قد بقيت في ريف السويداء الشرقي بعد انكسار "الدولة الإسلامية" في البادية في العام 2016، على يد المعارضة، وانسحاب التنظيم نحو الشرق، قبل أن ترفدهم قوات النظام في أيار/مايو، بـ800-1100 من عناصر التنظيم من مخيم اليرموك إلى بادية السويداء.

وتقول مصادر "المدن" إن عدد مقاتلي "داعش" في بادية السويداء، قبل نقل مقاتلي مخيم اليرموك، كان بحدود 120 عنصراً. ورغم قلة عددهم، تمتع أولئك "الدواعش" بخبرة عسكرية كبيرة في عمق البادية، ونشطوا في تجارة السلاح والمخدرات. وتشير مصادر "المدن" إلى أن أولئك المقاتلين يعتبرون من "عصب القوة" في البادية.

وبعد وصول مقاتلي المخيم، أعاد "داعش" الانتشار في الكراع والصفا والحصا، من ريف السويداء الشرقي. وتُعد منطقة الصفا المركز الرئيسي للتنظيم، إذ بات ينتشر فيها قادة عسكريون للتنظيم بينهم مهاجرون من الخليج العربي، ممن تم إخلاؤهم من مخيم اليرموك.

كما أعاد التنظيم انتشاره في "الحماد الشامي" بالقرب من ثنية حسن وسرية البحوث العلمية وتل مكحول الذي يعتبر المعقل الرئيس للتنظيم، نظراً لارتفاعه. وكانت مليشيا "حزب الله" اللبنانية قد تحصنت في التل سابقاً، قبل أن تنسحب إلى مزرعة الإماراتي قرب مطار الضمير العسكري.

وعلى الرغم من عدم وجود سيطرة كلية أو مطلقة في المنطقة، إلا أن التنظيم يتبع إسلوباً جديداً في "الثبات"، إذ يقوم بإرسال دوريات بشكل متكرر إلى مناطق استراتيجية لا تستطيع قوات النظام الثبات فيها، كمنطقة السبع بيار التي تعتبر مفترق طرق مهم، بالإضافة إلى حاجز ظاظا، أحد أهم الحواجز التي انتشرت فيه مليشيات إيرانية وباتت فيه عرضةً للقصف الأميركي المتكرر.

وتشير المصادر إلى أن التنظيم يتواجد بشكل محدود في منطقة الوعر قرب قاعدة الزكف التي كان الجنود الأميركيون قد اتخذوها سابقاً قاعدة لهم بعد قاعدة التنف العسكرية قرب الحدود الأردنية العراقية السورية. كما يتخذ التنظيم من الوعر الشمالي قرب الزكف ممراً له إلى البوكمال والنقاط المحيطة بها قرب محطة T2 النفطية، والتي يحاول التنظيم منذ فترة السيطرة عليها. ويتواجد التنظيم في منطقة الوديان في بادية البوكمال، والتي تُعد ساحة حرب واشتباك مع قوات النظام. وتتعرض منطقة الوديان بشكل متكرر إلى قصف جوي روسي.

أثناء عملية "داعش" باتجاه المحطة الثانية في عمق بادية السويداء، استقدمت قيادة التنظيم هناك عناصر من بادية السويداء عبر طرق متعددة وأبرزها طرق الوعرة قرب الحدود السورية العراقية. ونقل إلى هناك عناصر وقياديون سابقون، من غير القادمين من مخيم اليرموك. وسرعان ما عادت تلك القوة، عقب أقل من 20 يوماً إلى البادية، وبدأت العمل مع مسلحي التنظيم في منطقة الكراع قرب الدياثة شرقي بادية السويداء.

ويملك التنظيم شبكة تواصل مكتملة تنظيمياً، بين كافة قطاعاته في البادية، مع قيادة التنظيم، وفق مصادر "المدن"، التي تضيف أن التنظيم يقيم علاقة على مستوى القيادة مع تجار البدو من مناطق الحماد الشامي ومنطقة اللجاة. ويعد هؤلاء التجار مسؤولين عن تأمين حاجات التنظيم اللوجستية والغذائية، وأمور التسليح العسكري.

ويفرض التنظيم على تجار البدو ضرائب مقابل السماح بمرور بضائعهم، بما في ذلك المخدرات التي تعبر من دول الجوار خاصة العراق. وتشير مصادر "المدن" إلى أن التنظيم يتسلم مقابل تسهيل كل شحنة مبلغاً قد يصل إلى 100 ألف دولار.

ويعرف عن تجار البدو علاقاتهم الواسعة مع كافة الأطراف، خاصة مسؤولي مخابرات النظام في السويداء، وتربطهم تجارة الأسلحة والمخدرات. كما كان التنظيم يفرض ضرائب على أهالي القرى، والرحالة البدو، في البادية، ما دفع غالبية الأهالي للتشرد والانتقال إلى المخيمات، فخسر التنظيم أحد مصادره التمويلية.