تمرير المرسوم 16: لماذا تُقاضي عُلا صفتلي الداعية الشعال؟

وجيه حداد
الخميس   2018/10/04
وزارة الأوقاف (انترنت)
رفعت المحامية علا صفتلي، دعوى باسمها الشخصي، في 2 تشرين أول/أكتوبر، إلى نيابة حمص، ضد رجل الدين الداعية محمد خير الشعال، مستندة في مطالعتها القانونية على بند من المرسوم التشريعي رقم 16. الدعوى التي قدمتها صفتلي عززت فرضية سريان المرسوم الخاص بوزارة الأوقاف السورية، وبدء العمل به، رغم التعتيم الكبير الذي رافق جلسة البرلمان، الثلاثاء، والتي كانت مقررة لمناقشته.

واتهمت صفتلي الداعية الشعال بـ"إثارة النعرات الطائفية والمذهبية والنيل من الشعور الوطني زمن الحرب"، على خلفية انتشار مقطعي فيديو له، تم تداولهما مؤخراً، يسخر في أحدهما من الأسماء التي يراها غريبة عن دينه ولغته، ويغمز بشدة  مهينة في الثاني من مظهر ولباس المعلمات غير المحجبات.


ورغم أن الدعوى تشكل سابقة بحد ذاتها في المجتمع السوري بسبب مركزية الأمن وضبطه لمنسوب التناحرات الداخلية وفق إيقاعه الخاص، إلا أن الأهمية المضاعفة للدعوى تكمن في استنادها إلى بنود المرسوم رقم 16، وتطالب بمحاسبته وفق بنوده. ولا يمكن فهم الدعوى المقدمة ضد الشعال من المحامية المحسوبة على الموالاة، بعيداً عن تزامنها مع الجدل الذي أثاره المرسوم، فهي تحمل في طياتها رسائل متعددة.

من الناحية الشكلية البحتة، تعكس الدعوى إعلاناً ببدء العمل بالمرسوم، وسريان بنوده في المحاكم، بعدما أصبح التصريح المباشر بكيفية مروره إحراجاً للنظام. ومن ناحية أخرى، تحمل في طياتها رسالة إلى الموالين المناهضين للمرسوم، بضرورة النظر إليه، بعين مختلفة ما دام يُشكّلُ سلاحاً يمكن استعماله ضد خصومهم الدينين وقت الحاجة. ولا تخلو الرسائل من تذكير رجال الدين بضرورة الانتباه للخطوط الحمر الواجب التقيد بها، وأن المرسوم الذي صيغ على مقاسهم يمكن له أن ينقلب عليهم في أية لحظة.

ويعزز تلك الرؤية أن تسريب الدعوى ومضمونها الإتهامي يتسق مع ألاعيب النظام وطرائقه المتبعة، ما يعطي مجالاً كبيراً للشك، بالتحكم الأمني بالدعوى. كما أن مقاطع الفيديو الخاصة بالداعية الشعال، كانت قد انتشرت فجأة في صفحات مواقع التواصل الاجتماعي الموالية، بعد 20 أيلول/سبتمبر، تاريخ توقيع المرسوم من قبل الرئيس بشار الأسد.

مصادفة ليست بريئة، علما أن الشعال يقول إن مقاطع الفيديو المتداولة حديثاً هي قديمة، وتعود لثلاث سنوات. هذا عدا عن كونه يعمل في أكثر من مؤسسة دينية في دمشق كمدرس، تحت سمع وبصر النظام، ويدير حلقاته الدعوية في أكثر أحياء العاصمة أهمية؛ حي المالكي الشهير في دمشق، والذي يقيم فيه الرئيس وكبار المسؤولين السوريين. ما يعني، على الأقل، ولاؤه الكامل، وهذا ما يضع الهجوم عليه في خانة الريبة والدوافع المستترة.

ولكن لماذا يحاول النظام تظهير نفاذ المرسوم على هذه الصورة، ولم تلك المناورة؟ لا شك أن النظام وقع في حرج مركّب، نتيجة التوقيع الرئاسي على المرسوم 16. ويتصل قسم من الإحراج بالبروباغاندا التي انتهجها خلال السنين الماضية، والتي استنفرت العوامل الثقافية كأسباب رئيسية للحرب. كما يتصل الحرج في شق منه، بالبنية العقائدية المعلنة للحزب الحاكم، وطبيعة وتركيبة مجلس الشعب الممسوك بعثياً، ما يجعل من التصويت العلني على المرسوم في هذه اللحظة نوعاً من المغامرة.

وتزايد حرج النظام حين لم يستطع إقناع أنصاره بالمرسوم، ولم يرغب بالتصعيد معهم في اللحظة الراهنة تجنباً لمضاعفات غير مرغوبة. كما إنه ليس في وارد التراجع عن قراره لما يتيحه المرسوم له من أدوات للسيطرة.

إطلالة وزير الأوقاف على الفضائية السورية، مساء الاثنين، أخفقت في إقناع معارضي المرسوم 16 حسب ردودهم اللحظية، ولم تسكّن مخاوفهم من مفاعيل المرسوم وتبعاته على الحياة والحريات العامة في البلد، وعلى هوية وطبيعة الدولة السورية القادمة في حال إقراره النهائي. على العكس من ذلك تعززت قناعاتهم بأن وراء الأكمة ما وراءها حسب تعبير أحدهم.
وبدا السوريون لحظتها، وفق تعبيرات معارضي المرسوم، كأنهم على موعد بين خيارين حاسمين: سيحدد لهم الأول بقاءهم في "عصر الأنوار البعثي"، والثاني سيأخذهم إلى "عصر محاكم التفتيش القروسطية" لو تم إقراره.


ونام السوريون ليلتها، وقد تعلقت آمالهم على مجلس الشعب الذي يملك نظرياً "سلطة الحسم"، بالسلطات الدستورية الممنوحة له، وسيطرة "حزب البعث" العلماني على الأغلبية المطلقة من أعضائه. كان مفترضاً أن يناقش المجلس ويقرر، الثلاثاء، في أي المسارين ستمضي سوريا، وذلك عبر التصويت على المرسوم، رفضاً أو قبولاً.

غير أن التعتيم الإعلامي ساد خلال اليومين الماضيين، في ما يخص المرسوم 16، وغابت أخباره عن التداول الإعلامي، بعدما وصلت ذروتها مساء الاثنين. كما غابت أخبار مجلس الشعب عن وسائل الإعلام الرسمية، ولم يعرف أحدٌ من السوريين المهتمين بمآلات المرسوم، هل نوقش في مجلس الشعب كما كان مفترضاً، أو هل تم تمريره أم  رفضه، أو هل تأجل نقاشه إلى موعد لاحق. السوريون لم يعرفوا فعلياً إذا التأم المجلس أم لا.

وبالتوازي مع هذا التعتيم، هدأت إلى حد كبير مواقع التواصل الاجتماعي المرتبطة بالنظام، وغاب عنها موضوع المرسوم، كما غاب منتقدوه عن دائرة الفعل الكتابي، واكتفى بعضهم  بشذرات عابرة تنم عن امتعاض عاجز. وغاب النائب نبيل صالح، الذي قاد الحملة ضد المرسوم، عن أي توضيح، أو تعليق، أو حتى مجرد خبر بسيط عن المجلس. مهادنة مبطنة كانت قد طغت على نبرة صالح قبل فترة الصمت المريب. فرغم وصفه لوزير الأوقاف بعد إطلالته التلفزيونية، بأنه "تكلم  كثيراً، ولم يقل شيئاً"، إلا انه أقر بوجود مواد بيضاء في القانون، وان "جل ما يطلبه هو السماح بمناقشة القانون لتبيان المواد البيضاء من السوداء".

في هذه الأجواء، بدت الدعوى المقدمة من المحامية علا صفتلي، حلاً عملياً من قبل النظام، لإعلان نفاذ "المرسوم 16" بطريقة تخفف من توتر رافضيه، ترسل إلى جمهور قواعده خاصة الأقليات منها رسائل التطمين المباشرة، بفاعلية المرسوم لصالحها، وتجنب النظام في الوقت نفسه المجابهة المفتوحة مع جمهوره.