التل تحت حكم المليشيات الموالية: "درع القلمون" تنتصر

رائد الصالحاني
الجمعة   2017/08/04
التخلّص من "أبو أيوب" كان مقدمة للتخلص من مليشيا "الدفاع الوطني" (انترنت)
باتت مدينة التل في ريف دمشق، ومنذ اخراج فصائل المعارضة منها نهاية العام 2016، تعيش تحت حكم مباشر من قبل المليشيات الموالية، والتي كان بعضها موجوداً بالأساس في المدينة، أو تلك التي تشكلت بُعيد خروج المعارضة من المدينة باتجاه الشمال السوري. حينها ذهبت جهات النظام "المعنية" بأمور "التسوية" و"المصالحة" في التل إلى تشكيل "لجنة حماية التل" بغرض نشرها داخل الأحياء السكنية، لمنع السرقات والتشبيح، وضبط الأمور من دون دخول واضح لقوات النظام وأجهزته الأمنية.

وتم تمويل "لجنة حماية التل" بفرض الأتاوات على الناس والتجار. وبعدما انتشرت حواجز "اللجنة"، من دون سلاح، في شوارع المدينة، بدأت المشاكل تظهر بشكل واضح، في اعتداءات متكررة لعناصر من "الفرقة الرابعة" ومليشيا "درع القلمون" على أعضاء "اللجنة"، حتى تم تحجيمها وإيقاف عملها بشكل تدريجي. "الحرس الجمهوري"، المسؤول المباشر عن "اللجنة"، قرر حلّها وضمها له، مطلع تموز/يوليو.

القيادي في "الدفاع الوطني" المكنى بـ"أبو أيوب"، وهو المسؤول عن المليشيا في "حي النازحين" الموالي الذي تقطنه غالبية علوية والتابع إدارياً لمدينة التل، كان قد اعتقل قبل أسبوعين. ولُفقت لـ"أبو أيوب" تهمة "نصب واحتيال"، من قبل متنفذين في مليشيات موالية منافسة، وأحيل على أثرها إلى سجن عدرا المركزي. وأثناء وجود "أبو أيوب" في سجن عدرا، حصل "الأمن العسكري" على سجل المراقبة لمكالماته الهاتفية، وتم تحويله إلى "الأمن العسكري" بتهمة التواصل مع مسلحي المعارضة قبل أكثر من عام، عندما قام "الجيش الحر" في مدينة التل بخطف شقيقه، وكان تواصله معهم لاخلاء سبيل شقيقه.

ويعتبر البعض أن التخلّص من "أبو أيوب" كان مقدمة للتخلص من مليشيا "الدفاع الوطني"، إذ سرعان ما صدرت تعليمات جديدة لعناصر "الدفاع الوطني" في حي النازحين، تفيد بضرورة حلّ المليشيا خلال أيام، والابقاء على عشر بنادق في الحي للحماية تُعطى لعناصر تقبل بها مليشيا "درع القلمون" المعروفة بكراهيتها لـ"الدفاع الوطني".

قتل وسرقة وتشبيح وخطف طال حتى الأطفال في التل، عبر مليشيا "درع القلمون" القوة العسكرية الأكبر في تلك المنطقة. عمليات خطف الأطفال، في الشهرين الأخيرين، باتت مقلقة للأهالي، بعدما أقدمت "درع القلمون" على خطف طفلتين من أبيهما في التل، وتكفّلت بإيصالهما إلى أمهما (المنفصلة عن زوجها) في تركيا، لقاء مبلغ مالي.

و"درع القلمون" تابعة بشكل مباشر، لوجتسياً وعسكرياً، لـ"الفرقة الثالثة دبابات" في القلمون الشرقي. وقائد "درع القلمون" في التل والمكنى بـ"أبو زيدون" حوّل المدينة إلى مزرعة له ولعناصره. و"أبو زيدون" كان قد اعتقل سابقاً من قبل "المخابرات الجوية" في كمين نُصب له في دمشق، بتهمة تزوير العملة الصعبة، وخرج منها "مثل الشعر من العجين"، رغم العثور على طابعة لتزوير العملة الصعبة، وأوراق أخرى مزورة في منزله. وبعد اعتقال قصير لعشرين يوماً، عاد "أبو زيدون" إلى التل قائداً لمليشيا "درع القلمون" من جديد، مع صلاحيات أوسع وتشبيح أكبر. ووصل نفوذه إلى حدّ القبول بانضمام عناصر جدد إلى مليشياه، رغم رفض بعض أجهزة النظام "تسوية وضعهم". "أبو زيدون" أمّن الحماية لأولئك العناصر شرط عدم خروجهم من التل، وتقديم الولاء والطاعة الكاملين لـ"درع القلمون".

التوتر الأمني الدائم بين عناصر "الأمن العسكري" و"الفرقة الرابعة" من جهة، ومليشيا "درع القلمون" من جهة أخرى، بات مظهراً مألوفاً لدى سكان مدينة التل، فـ"درع القلمون" تسعى لأن تكون القوة الوحيدة المتحكمة بكل شيء في المدينة، عبر إقامة مقرات في مناطق استراتيجية تارة، ومضايقة "الزملاء" من المليشيات الرديفة تارة أخرى. وتتقرب "درع القلمون" من الناس، عبر تسهيل عودة بعض العوائل المُهجّرة قسراً إلى مدينة إدلب، إلى التل. وسجلت عودة أكثر من عشر عوائل في الآونة الأخيرة، مقابل مبالغ مالية تبدأ بـ100 الف ليرة سورية.

المليشيا التي يقودها ناصر شمّو، والتابعة لـ"المخابرات الجوية"، ساهمت باعادة بعض المُهجّرين قسراً إلى المدينة مقابل رشاوى، وتطويعهم في المليشيات الموالية للنظام. ولم تقتصر العودة فقط على المدنيين، بل أعاد شمّو، قائد "كتائب المعتز بالله" المعارضة عزو مصمص، مع عناصر تابعين له من تركيا إلى مدينة جرمانا في دمشق، بتنسيق مع شقيق عزو، أبو علي مصمص، الذي يقود مليشيا تابعة لـ"المخابرات الجوية". ضعف التنسيق بين الفروع الأمنية والمليشيات، تسبب باعتقال عزو، وأحد عناصره، بتهمة قتل عناصر وضباط من قوات النظام أثناء مرحلة القتال في التل.

الفلتان الأمني في التل، وعدم وجود قوة حاكمة فعلياً، لم يثنِ مخابرات النظام عن ملاحقة من يستخدمون هواتفهم للتواصل مع ذويهم وأبنائهم في الشمال السوري، أو في جرود القلمون. فعبر تقنيات متطورة، تمكنت أجهزة النظام الأمنية من اختراق عشرات المكالمات الصادرة من التل إلى الشمال السوري، وتعميم أسماء أصحابها على الحواجز. وتمّ اعتقال أكثر من 20 شخصاً، أغلبهم نساء، بتهمة التواصل مع المناطق الخارجة عن سيطرة النظام. أسماء المطلوبين ارتفعت إلى أكثر من 450 اسماً، من الرجال والنساء، ما دفع "وفد المصالحة" للطلب من فرع "الأمن الداخلي" المعروف باسم "فرع الخطيب" التابع لجهاز "أمن الدولة"، والمسؤول المباشر عن الملف، القيام بـ"تسوية خاصة" مع تعهد بعدم تكرار تلك المكالمات من قبل المطلوبين. لكن رئيس الفرع، وبحسب مصادر إعلامية، رفض ذلك الطلب، مؤكداً أن كل من تم تعميم اسمه سيلاحق حتى اعتقاله أو تسليم نفسه لتجنب الملاحقة.