روحاني في موسكو:التوازن مع أميركا وإسرائيل؟

بسام مقداد
الأربعاء   2017/03/29
Getty ©

لم تجد صحيفة الكرملين "فزغلياد" وقتاً مناسباً لنشر مقابلة مع السفير الإسرائيلي في موسكو، أفضل من 28 آذار/مارس الحالي، أي في اليوم الثالي من زيارة الرئيس الإيراني روحاني إلى موسكو، ولقائه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الكرملين.

واللافت أن الصحيفة، وعلى غير عادتها في مثل هذه الأحوال، لم تنشر أي تعليق أو تحليل عن الزيارة. وليس الأمر قلة دراية من صحيفة الكرملين، بالطبع، بل يعكس وضع روسيا الدقيق في المحافظة على نوع من التوازن في العلاقات، التي تربطها بين كل من إيران وإسرائيل، والتي وصفتها صحيفة روسية أخرى بقولها، إن "روسيا واقعة بين إسرائيل وإيران". وتقدم الصحيفة للمقابلة بالقول إن إسرائيل هي موضع اهتمام شديد من جانب روسيا في الوقت الراهن، وثمة عمليات واسعة النطاق في العلاقات بين البلدين "يبقى القسم الأكبر منها بعيداً عن العيون".

والسفير، الذي كانت الخارجية الروسية قد استدعته أواسط آذار/مارس للتعبير عن استياء روسيا من قصف الطيران الإسرائيلي لأهداف في العمق السوري قرب تدمر، لم يتوان عن الإستفادة من الفرصة المتاحة له لعرض الموقف الإسرائلي المعروف من إيران. وحين سألته الصحافية الروسية عن القصف المشار إليه، قال مبتسماً، إنه لا يعرف عن ماذا تتحدث الصحافية. وحين سألته أيضاً عن وجود اتفاقات غير معلنة بين روسيا وإسرائيل في المجال العسكري، قال "حسناً، أمر جيد أنها موجودة".


هذا السلوك السياسي ليس بجديد على موسكو. فقد نوهت وسائل الإعلام الروسية خلال زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى موسكو في 9 آذار/مارس، بأهمية التحالف مع إيران، وأشارت إلى أن نتنياهو أتى إلى موسكو لإقناع روسيا بفك تحالفها مع إيران، والإنضمام إلى الحلف الجديد الذي ينشأ بزعامة الولايات المتحدة ضد إيران، وأن تحالفها مع إيران في سوريا قد يرتد عليها هي نفسها. وذكرت صحيفة الكرملين عينها يوم زيارة نتنياهو، أن الأخير يريد بزيارته لموسكو "منع إيران من تثبيت أقدامها في سوريا".


والحقيقة أن روسيا وإيران "ملتزمتان بالتعاون في ما بينهما في ظل الوضع الدولي الراهن"، كما ترى المتخصصة الروسية في الشؤون الإيرانية كارينا كيفوركيان. ويرى بعض المعلقين الروس أن إيران تتلطى بروسيا لخشيتها من البقاء وحيدة في مواجهة تهديدات الإدارة الأميركية الجديدة، وهي تسعى لتوثيق تحالفها مع روسيا في شتى المجالات، وخصصت مبلغ 21 مليار دولار لشراء الأسلحة من روسيا، من الخمسين مليار دولار التي استردتها بعد رفع العقوبات عنها، بحسب كيفوركيان. وفي سبيل تعزيز تحالفها مع روسيا  أعلنت إيران، على لسان وزير خارجيتها، عن استعدادها السماح للطيران الحربي الروسي باستخدام مطاراتها العسكرية في تنفيذ مهماته في سوريا، على الرغم مما أثاره استخدام مطار همدان العسكري في آب/أغسطس الماضي من حساسيات إيرانية، عبر عنها آنذاك تصريح وزير الدفاع الإيراني الشهير عن "الغطرسة الروسية".


وإذا كانت إيران "تتلطى" بالتحالف مع روسيا، فإن الأخيرة تسعى من خلال هذا التحالف، إلى رفع "سعرها الأميركي" في فترة انتظار تبلور سياسة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تجاهها. وحتى الآن، خابت الآمال التي كانت تعقدها موسكو على "تحسن" العلاقة مع الولايات المتحدة في ظل الإدارة الجديدة. فزيارة ترامب، التي كانت تتوقعها روسيا خلال الشهر الأول من رئاسته، لن تتم قبل أيار/مايو المقبل، بحسب التقديرات الروسية، وزيارة وزير الخارجية الأميركية ريكس تيلرسون لم يتم تحديد موعدها بعد في الشهر المقبل. وبدلاً من رفع العقوبات، الذي كانت تأمل به روسيا، فرضت الولايات المتحدة عقوبات جديدة تطال بشكل أساسي الصناعات الحربية الروسية "من أجل تقويض سمعتها في سوق السلاح العالمي"، بعد أن بلغت قيمة مبيعات هذه الصناعات في السنة الحالية نحو 50 مليار دولار، على قول بوتين منذ أيام.


من جهة ثانية، يرى المحلل السياسي في صحيفة "كومرسانت" المستقلة، ديمتري دريزه، في تعليق له على زيارة روحاني، أنه على الرغم من إعلان الكرملين أن المسائل الإقتصادية هي الموضوع السياسي للزيارة، إلا أن الصراع الإيراني-الإسرائيلي يبقى هو الهدف الرئيسي للزيارة. ويقول دريزه، إن السلطات الروسية في وضع محرج، إذ عليها أن تحافظ على "علاقات جيدة" مع طهران وتل أبيب في آن معاً. والنقطة الأكثر حدة، برأيه، تبقى "أحداث 16 آذار/مارس"، حين فتحت المضادات الجوية السورية النار "لأول مرة خلال ست سنوات من الحرب الأهلية السورية" على الطائرات الإسرائيلية، التي اخترقت الأجواء السورية واضطرت إسرائيل "لأول مرة أيضاً" لتدمير صاروخ سوري في الجو".


ويقول دريزه، إن تل أبيب تتهم إيران باستخدام الأراضي السورية لمد حزب الله بالأسلحة الحديثة، وقد تعمدت تغيير نقطة تسليمه الأسلحة إلى عمق البلاد لاعتقادها، أن سلاح الجو الإسرائيلي لن يقدم على قصف مناطق تقع قرب مواقع الوحدات الروسية. وبالفعل، أثار الحادث استياء موسكو وعبرت عن ذلك للسفير الإسرائيلي، عندما استدعته إلى وزارة الخارجية لهذا الغرض.


ويشير دريزه إلى أنه كان هناك الكثير من التعليقات التي تقول أن إيران "ليست شريكاً موثوقاً جداً"، وإنه كان من الأفضل عدم التعاطي معه. لكن الرغبة في إثارة غضب أميركا تفوقت، وانضمت طهران إلى الثنائي الروسي-التركي الضامن للهدنة في سوريا خلال لقاء أستانة الأخير.


ويقول دريزه، إن علاقات جيدة بين روسيا وإسرائيل قد نشأت خلال السنوات الأخيرة، ولم تؤيد إسرائيل العقوبات، ووقفت موقفاً حيادياً حيال القرم. لكن موسكو دخلت في شراكة مع ألد أعداء إسرائيل، ما "يشدها في الواقع، إلى نزاع غريب عنها وليست بحاجة إليه بتاتاً". ويؤكد أنه ليس من المفهوم ما الذي يمكن أن تفعله روسيا في الوضع الراهن "إذ لا يجوز مساندة طرف واحد من الطرفين، كما لا يمكن مصالحتهما". والوضع كله يشبه كثيراً الطريق المسدود، ومن المستبعد أن تغير زيارة روحاني في الأمر شيئاً. ولذلك، على روسيا أن تكتفي بالفوائد الإقتصادية للزيارة.