لماذا تحاذر تركيا انتقاد ترامب؟

شناي أوزدن
الأربعاء   2017/02/08
انتقاد ترامب علانية وبقوة قد يعني الاصطفاف مع المظاهرات الشعبية في الداخل الأميركي (أ ف ب)
أجرى الرئيسان التركي رجب طيب أردوغان والأميركي دونالد ترامب أول اتصال هاتفي بينما ليل الثلاثاء. وبحسب المكتب الإعلامي في الرئاسة التركية، فقد أكد الطرفان على "تعهدهما المشترك لمكافحة الإرهاب بكل أشكاله".

نشطاء حقوق الإنسان والمجتمع المدني في تركيا، كانوا مفتونين بالتماثل في الخطاب والأفعال بين أردوغان، وترامب في أيامه الأولى كرئيس جديد للولايات المتحدة: فكلا الزعيمين، يقللان من قيمة المؤسسات الإعلامية المنتقدة لسياساتهما، وكلاهما ينويان خفض سلطة القضاء عبر طرد أولئك الرافضين للالتزام بأوامرهما. ومع ذلك، فالتشابه الأكبر بينهما هو إصدارهما أوامر تنفيذية مثيرة للخلاف، تضع مكافحة الإرهاب في صدارة سياساتهما على حساب حقوق الإنسان. هذه التماثلات يجب ألا تكون مفاجئة، طالما أن ما يجمع الرئيسين هو سياساتهما الشعبوية ومحافظتهما الاجتماعية.

لأجل ذلك، يجب ألا يكون مفاجئاً لماذا كان انتقاد الحكومة التركية، فاتراً، للأمر التنفيذي الصادر عن ترامب الذي يحظر على مواطني سبع دول مسلمة دخول الولايات المتحدة. وما يصدم أكثر أن أردوغان بقي صامتاً تماماً تجاه قرار ترامب بـ"حظر المسلمين"، وهو من اتخذ من "الدفاع عن المقهورين في كل مكان" شعاراً له خلال السنوات العشر الماضية. لذا، يستحق ذلك استقصاءً عن سبب تفادي أردوغان إدانة ترامب، وهو المعروف بخطبه القوية في مناسبات سابقة مختلفة.

وأول ما يحضر في الذهن من أسباب هو ما يتعلق بـ"الواقعية السياسية" التركية: فالحكومة التركية وأردوغان لا يريدون المخاطرة بـ"إفزاع" ترامب طالما أنهم مهتمون بإصلاح العلاقات مع الولايات المتحدة التي كانت قد توترت بشدة أثناء إدارة الرئيس السابق باراك أوباما. وعلاقة تركيا مع الولايات المتحدة، خاصة منذ محاولة الإنقلاب الفاشلة، قامت على قضيتين أساسيتين: تسليم فتح الله غولان وإقناع الولايات المتحدة بعدم دعم المنظمات الكردية؛ "الاتحاد الديموقراطي"، و"وحدات حماية الشعب" في سوريا. وفشلت تركيا في تحقيق النتائج المرجوة في القضيتين عندما كان أوباما رئيساً، وتأمل الآن في إقناع ترامب بتغيير منظور الولايات المتحدة في المسألتين. أبعد من ذلك، وخاصة بعد فشل سياسة تركيا الخارجية، كما هو واضح في سوريا حيث رضخت فعلياً للمطالب الروسية، فإن تركيا لا ترغب بالمخاطرة في أن تكون مستبعدة أكثر من الولايات المتحدة. ومع احتمال تشكيل ترامب وبوتين تحالفاً في سوريا، حيث يدعم الطرفان "الإتحاد الديموقراطي"، وخاصة بعد وعد روسيا للأكراد بحكم ذاتي في سوريا موحدة، فإن تركيا ترغب على الأغلب بالاعتماد على أحد هذين البلدين لمعادلة علاقتها مع البلد الآخر.

السبب الآخر للصمت التركي الكامل تقريباً حول ترامب، ما عدا تصريح نائب رئيس الوزراء نعمان قارتلموش، الفاتر جداً، حول الأمر التنفيذي، له أساس أيديولوجي. العديد من الصحافيين والكتّاب المقربين من حكومة "العدالة والتنمية" كتبوا مقالات جادلوا فيها بأن لُبّ المسألة هو ليبرالية أميركا، بحد ذاتها، لا أوامر تنفيذية يطلقها قادة بشخوصهم. وأوضح أولئك بأنه وعلى الرغم من أن قرار ترامب حظر دخول رعايا الدول المسلمين يحتاج إلى إدانة بشكل واضح، فإنه علينا عدم تجاهل أنه لم يكن ترامب، بل أوباما من أطلق سياسة أميركا المناوئة للاجئين والمهاجرين. ويناقش أولئك الكتاب، بأن الليبراليين الأميركيين الذين يتظاهرون ضد ترامب، هم بوجهين، بما أنهم كانوا صامتين تماماً تجاه قرارات أوباما التي كانت كارثية للمسلمين. ولهذا، فقد ذكروا، بأنه علينا معرفة فشل الليبرالية الأميركية، وأنه من العار أن الليبراليين الأميركيين عليهم اختبار ترامب ليدركوا أن المسلمين أيضاً يستحقون العيش بكرامة.

السبب الثالث للصمت التركي حيال أمر ترامب التنفيذي له علاقة بالسياسة التركية الداخلية. فليس من مصلحة "العدالة والتنمية" انتقاد ترامب، الآن، قبل شهرين فقط من الاستفتاء الذي سيحدد إن كانت تركيا ستنتقل إلى النظام الرئاسي أم لا. النظام الرئاسي الأميركي كان مثالاً لطالما أشار له أردوغان في معرض إقناع ليبراليي تركيا بدعم التغيير الدستوري في البلاد. لذا فانتقاد ترامب الآن سيكون كمن يطلق النار على قدميه. وأبعد من ذلك، انتقاد ترامب علانية وبقوة قد يعني الاصطفاف مع المظاهرات الشعبية في الداخل الأميركي. ومع ذلك، بالنسبة للحكومة التركية التي استخدمت خطاب "مكافحة الإرهاب" لتشريع قراراتها التنفيذية منذ الانقلاب العسكري الفاشل، ومن خلال تصنيف الأشخاص المنتقدين لها كـ"داعمين للجماعات الإرهابية" فقد قامت بانتهاك حقوق هؤلاء الأشخاص. ولذلك، فإن المظاهرات الشعبية المطالبة باستعادة حقوق الإنسان والحريات وإلغاء القرارات التنفيذية ليست محببة للحكومة التركية الحالية.

التماهي مع شعارات مثل "كلنا مسلمون" في الولايات المتحدة قد يعني أنه على الحكومة التركية قبول شعارات التظاهرات الشعبية التركية مثل "كلنا أرمن" أو "كلنا أكراد". موقف كهذا يعني ضمناً أيضاً أن حكومة "العدالة والتنمية" عليها أن تتخلى عن خطابها الشعبوي القائل: "نحن لسنا حكومة تسلطية لأننا انتخبنا من الناس"، والذي يتم استغلاله لتشريع القرارات التنفيذية للحكومة، وعليها أن تناصر التظاهرات الشعبية القائلة: "الديموقراطية هي أكثر من صندوق الإقتراع".