ماذا يبيع ترامب في سوريا؟

حسين عبد الحسين
الإثنين   2017/01/30
AFP ©
المرسوم الذي وقعه الرئيس الأميركي دونالد ترامب لإقامة مناطق آمنة في سوريا، لاقى استحساناً لدى السوريين ممن أصابهم اليأس لوقوف أميركا و"العالم الحر" موقف المتفرج على السوريين وهم يغرقون في دمائهم، أو في بحار اللجوء ومحيطاته. لكن مرسوم ترامب هو، مثل ترامب وباقي مراسيمه، خديعة مخصصة للاستعراض، أكثر منها لحماية السوريين من دموية الرئيس السوري بشار الأسد والقوات المتحالفة مع نظامه.

في العام 2013، رمى الرئيس السابق باراك أوباما الضربة التي أعلنها ضد قوات الأسد في حضن الكونغرس، ولم يكن مفاجئاً أنه، بسبب المزاج الشعبي المتذمر من حربي العراق وأفغانستان، لم تلق الضربة ضد الأسد حماسة كافية للموافقة عليها. لكن المفاجئ كان في موقف أعضاء الكونغرس ممن كانوا يقسمون بتأييدهم لضرب الأسد، مع أو من دون مجازر كيماوية.

ومن مؤيدي التدخل الأميركي في سوريا كان عضو مجلس الشيوخ عن ولاية فلوريدا ماركو روبيو، الذي ترشح في ما بعد للرئاسة وقدم أداءً ضعيفاً أجبره على الانسحاب.

ولأن لروبيو طموحات رئاسية، فهو حرص على نيل عضوية "لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ"، بهدف تقديم هذه العضوية بمثابة خبرة في مجال السياسة الخارجية كمرشح رئاسي. وكان روبيو يتمتع بعلاقة متينة مع لوبيات متنوعة، في طليعتها "ايباك" القوي المؤيد لإسرائيل، والأخير أصدر بياناً دعا فيه الكونغرس إلى تأييد الضربة ضد الأسد. لكن على الرغم من بيان "ايباك" وصداقة روبيو معه، صوت روبيو ضد الضربة في اللجنة، فتمت المصادقة على مشروع قانون الضربة في اللجنة بفارق ضيق بلغ صوتاً واحداً (17 مقابل 16).

هذا التباين الخفي في إعلان "ايباك" المؤيد للضربة، وتصويت روبيو المعارض لها، هو في صميم الاستعراض المسرحي الذي قدمه ترامب حول إقامة مناطق آمنة في سوريا، وهو يعكس التناقض داخل التحالف حول سوريا، الذي تقوده موسكو، والذي يتألف من روسيا وإيران وإسرائيل، والآن الولايات المتحدة.

إسرائيل بزعامة بنيامين نتنياهو تصادق موسكو، وتريد بقاء الأسد، ولكن إسرائيل تكره إيران و"حزب الله" اللبناني، وتسعى للانتقام منهما. إيران، بدورها، تكره إسرائيل، ولكنها تتعامل بواقعية مع صداقة موسكو وتل أبيب، خصوصاً لناحية حاجة "حزب الله" إلى جبهة هادئة مع الإسرائيليين أثناء تفرغ مقاتلي الحزب للجبهات داخل سوريا. هذا التناقض في التحالف الذي تقوده موسكو بدا جلياً في تقديم الروس غطاءً جوياً لمقاتلي "حزب الله" في وسط وشمال سوريا، وتركهم فريسة الغارات الاسرائيلية المتكررة في دمشق والجنوب.

كيف تنعكس هذه العلاقات المتناقضة داخل تحالف روسيا - اسرائيل، وروسيا - إيران، على الولايات المتحدة؟

سلم أولويات أميركا، بعد انتخاب ترامب رئيساً، صار يتطابق مع أولويات اسرائيل، لناحية مواجهة "حزب الله"، كجزء من مواجهة إيران. في الوقت نفسه، يحرص ترامب على إقامة صداقة مع روسيا، يرفع بموجبها العقوبات عنها. روسيا، بدورها، تبدو راضية باستبدال تحالفها مع إيران بتحالف مع أميركا، وهو التبدل الذي بدا جلياً في مؤتمر أستانة وعلى جبهات القتال السورية.

ولأن سياسة أميركا انقلبت تجاه إيران و"حزب الله"، كان لا بد من تبدل مواز في سوريا. ولأن سياسة أميركا تجاه روسيا انقلبت من عداء إلى صداقة، صارت إقامة مناطق آمنة في وجه قوة جوية روسية صديقة أمراً منافياً للمنطق.

ترامب، الرئيس شبه الأُمي، ليس سياسياً ولا استراتيجياً، بل هو "تاجر شنطة"، وهو لذلك، وقع مرسوماً هدفه الأول إظهار أنه يتصرف كرئيس "قوي" في سوريا، على عكس سلفه "الضعيف" باراك أوباما. ثم إن ترامب لم يأمر بإقامة مناطق آمنة في سوريا، بل هو طلب إلى وزارتي الدفاع والخارجية دراسة الأمر وتقديم تقرير في مهلة 90 يوماً، على الرغم من أن على رفوف الوزارتين خططاً جاهزة للسيناريو المذكور.

الأمر الوحيد الذي يفترق فيه ترامب عن روسيا هو عداؤه لإيران و"حزب الله"، وهذا عداء لا يتطلب إقامة مناطق آمنة، بل يتطلب سياسات أخرى يبدو أن مستشاري الرئيس، ممن يديرون سياسته فعلياً، يعملون عليها في الخفاء، ولم يعلنوا عنها حتى اليوم، أو إنهم لا يعملون على أي خطط لسوريا، وليس في حوزتهم إلا المرسوم الاستعراضي الذي قدمه رئيسهم.