النظام وروسيا ينهيان "الهدنة" بمجازر في حلب

خالد الخطيب
الثلاثاء   2016/09/20
حملة انتقامية طالت مواقع مدنية في حلب وريفها، محمية بحسب "القانون الدولي". (انترنت)
شنت طائرات حربية ومروحية تابعة للنظام، ومقاتلات حربية روسية، غارات جوية عنيفة، مستهدفة مناطق سيطرة المعارضة في حلب وريفها. الحملة الجوية بدأت بعد السابعة من مساء الإثنين، موعد انتهاء الهدنة، بحسب إعلان وزارة دفاع النظام. الهدنة التي استمرت لأسبوع تقريباً، والتي تخللها أكثر من 200 خرق من قبل قوات النظام ومليشياته، أراد النظام وروسيا، أن تكون نهايتها بربرية كما يليق بهم، فالقصف الذي استمر لثلاث ساعات، قتل 40 شخصاً على الأقل، بينهم عشرة من منظمة "الهلال الأحمر العربي السوري".

وتناوب سربان من المقاتلات الحربية الروسية على قصف أحياء حلب الشرقية المحاصرة؛ الفردوس والصالحين والمعادي وسيف الدولة والمرجة وطريق الباب، واستخدمت الصواريخ الفراغية والقنابل العنقودية والرشاشات الثقيلة.  وألقت مروحيات البراميل أكثر من عشرة براميل متفجرة على أحياء السكري والمرجة والعامرية ومحيط حي المشهد.

وأسفر القصف الجوي في القسم المحاصر من المدينة عن مقتل عشرة مدنيين في حيي المرجة والسكري، وجرح 100 آخرين، معظمهم من الأطفال، وغصت المستشفيات الميدانية بالجرحى والمصابين، بعضهم أصيب بحروق بليغة بسبب تعرضه لنيران القنابل الحارقة. بعض الجرحى فارق الحياة بسبب خطورة اصابته وعدم امكانية إجراء الإسعافات اللازمة والعمليات الجراحية الضرورية في ظل الأزمة التي تعيشها المستشفيات في حلب المحاصرة والتي تعاني من نقص حاد في الأدوية والمحروقات اللازمة لتشغيل المولدات.

وشهد ريفا حلب الجنوبي والشمالي، قصفاً جوياً روسياً، أخف حدّة، واستهدف الطيران بغاراته شمالاً كل من عندان والليرمون وحريتان وحيان وكفر حمرة،  وفي الجنوب بلدات العيس وزيتان وخلصه وخان طومان، وترافق القصف الجوي مع قصف مدفعي وصاروخي شنته قوات النظام والمليشيات استهدف مناطق المعارضة في المدينة والريف.

ونال ريف حلب الغربي الحصة الأكبر من المجازر، بعدما استهدفه طيران النظام وروسيا بأكثر من 100 غارة جوية، تركزت بشكل رئيسي على مدن وبلدات أورم الكبرى وكفرناها والمنصورة وحور وخان العسل وقبتان الجبل وسوق الجبس ومدرسة الحكمة ومنطقة عقرب وطريق حلب-دمشق الدولي. وسقط على إثر الغارات نحو ثلاثين قتيلاً، وجرح 50 آخرين، في بلدتي أورم الكبرى وحور.

وقضى في مجزرة أورم الكبرى 10 عاملين في "الهلال الأحمر العربي السوري" بينهم مدير "شعبة المنظمة في ريف حلب الغربي" عمر بركات، وجرح عشرة آخرين من الفريق. وكان الطيران الحربي الروسي، ومروحي براميل النظام، قد استهدفا بالغارات، قافلة مساعدات إنسانية مؤلفة من ثلاثين سيارة نقل كبيرة، متجمعة بالقرب من المستودعات التابعة لمنظمة "الهلال" في أورم الكبرى. وأدى القصف لاحتراق المستودعات وعدد كبير من سيارات الشحن التي كانت تحوي مواد ومساعدات إغاثية غذائية وطبية مخصصة للتوزيع على مستحقيها غربي حلب.



مدير "مركز الدفاع المدني" غربي حلب في بلدة أورك الكبرى، حسين بدوي، أكد لـ"المدن" أن مروحي براميل النظام، ألقى براميل متفجرة على مكان تجمع سيارات القافلة الإنسانية التابعة للهلال الأحمر، والمستودعات التابعة لها في البلدة. الأمر الذي تسبب بانفجارات هائلة في المنطقة واشتعال النيران في المستودعات التي تحوي مواد إغاثية غذائية ولوازم أطفال وأغطية وفرش مخصصة للنازحين، وتبعه مباشرة قصف جوي روسي، من مقاتلتين حربيتين، شنت أربع غارات جوية على ذات المواقع، خلال ساعة تقريباً. وذلك وسط تحليق متواصل للطيران الذي نفذ غارات وهمية عطلت عمليات الإنقاذ وانتشال الضحايا من بين الأنقاض. وبقيت ألسنة اللهب تتطاير في سماء المنطقة حتى ساعة متأخرة من منتصف ليل الاثنين/الثلاثاء.



وأشار بدوي إلى أن القصف الجوي الذي نفذته طائرات روسية ومروحية تابعة للنظام، على قافلة المساعدات في أورم الكبرى في ريف حلب الغربي، كان مخططاً بعناية، وبشكل مركز، ولم يكن أمراً اعتباطياً. ويتضح ذلك من حجم الدمار والحرائق التي خلفها في الموقع، وبقاء الطائرات في سماء المنطقة حتى اكتملت مهمتها، أي تدمير وإحراق  قافلة المساعدات، فالنيران التهمت كل شيء وتمكنت "فرق الدفاع المدني" من سحب وإنقاذ سبع سيارات فقط، كما قتل وجرح عدد كبير من موظفي فرع منظمة الهلال الأحمر في المنطقة وحراس وسائقي حافلات القافلة التي لم تنته من إفراغ حمولتها بعد أن كانت قد وصلت الى البلدة ظهر الإثنين.

وكان فرع "الهلال الأحمر" في حلب قد أعلن ظهر الاثنين في صفحته الرسمية في "فايسبوك" أن قافلة مساعدات إنسانية قد وصلت بالفعل إلى ريف حلب الغربي، وجاء في منشوره: "قام فريق التدخل الميداني في فرع حلب لمنظمة الهلال الأحمر العربي السوري بإيصال قافلة مساعدات إنسانية إلى ريف حلب الغربي مكونة من 31 شاحنة محملة بمواد غير غذائية وطحين وأدوية وألبسة ومواد تغذية للأطفال مقدمة من منظمات الأمم المتحدة الإنسانية، وبرنامج الأغذية العالمي، والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين، وصندوق الأمم المتحدة للسكان، ومنظمة الصحة العالمية، ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) ومنظمة الهجرة الدولية".
وقامت نقطة "الهلال الأحمر" في أورم الكبرى باستلام القافلة وتفريغ المساعدات في مستودع "الهلال" في ريف حلب الغربي، ليصار إلى توزيعها لاحقاً إلى العائلات المحتاجة في المنطقة. وتمت المهمة عبر خطوط التماس (طريق دمشق الدولي) وبالتنسيق مع جميع الأطراف على الأرض.



وزارة الدفاع الروسية كانت قد بثت شريطاً مصوراً، في نقل مباشر، لمواقع قالت إنها في حلب تتم من خلالها مراقبة سير الهدنة عبر كاميرات محمولة على متن طائرات استطلاع متطورة. وأظهرت الصور وبشكل واضح صور قافلة المساعدات الإنسانية التابعة للهلال الأحمر التي وصلت أورم الكبرى وبدأت تتجهز لإفراغ حمولتها. وماهي إلا ساعات قلائل، حتى انقضت الطائرات الروسية وطائرات النظام على موقع القافلة وقصفتها بعنف وبشكل مقصود ومتكرر.

وكانت قافلة المساعدات أول الأهداف الاستراتيجية للحملة الجوية التي تلت الإعلان عن انهاء العمل بالهدنة. حملة انتقامية طالت مواقع مدنية في حلب وريفها، ومواقع من المفترض أنها محمية بحسب "القانون الدولي" الذي يحظر على الجهات المتصارعة استهدافها كمنظمة الهلال الأحمر.

من جانب آخر، حاولت قوات النظام والمليشيات الشيعية التقدم في أكثر من محور، في حي العامرية و"مشروع 1070 شقة" غربي حلب، وفي محاور ريف حلب الجنوبي بالقرب من خان طومان والعيس. وشهدت الجبهات اشتباكات عنيفة تخللها قصف مدفعي وصاروخي من قبل القوات المهاجمة طال مواقع المعارضة التي تمكنت من التصدي للهجمات المتزامنة مع القصف الجوي الوحشي الذي تعرضت له حلب المحاصرة وريفها الغربي.

وتحضرت قوات النظام والمليشيات على مدى الأسبوع الماضي، خلال الهدنة المزيفة، لشنّ هجوم واسع جنوبي وغربي حلب. وحشدت قوات إضافية من المليشيات العراقية والأفغانية والباكستانية والإيرانية ومن "حزب الله" اللبناني،  في جبهات متعددة بينها الحاضر والراموسة. وقد نصبت المليشيات قواعد إطلاق مدفعية وصاروخية جديدة في مواقعها المتقدمة.

وفي المقابل، لا تخفي المعارضة رغبتها في استئناف عملياتها العسكرية قريباً في حلب، بعدما تيقنت وبشكل قاطع من زيف الاتفاقات والهدن الدولية، وهي تسعى جاهدة لتجميع قواها العسكرية لخوض جولة جديدة من المعارك بهدف قلب المعادلة وفك الحصار عن الأحياء الشرقية، وإدخال المساعدات الإنسانية. لكن المهمة تبدو صعبة في ظل التصعيد الروسي الذي ينتقم من المدنيين في كل مرة تخسر فيها قوات النظام والمليشيات على الأرض، أو عندما ترفض المعارضة الانصياع للشروط المجحفة بحقها في الاتفاقات والهدن كما حصل خلال الساعات الأخيرة التي تلت إعلان النظام عن انهائها.

وتملك المعارضة كامل الحق في خوض معركة فاصلة في حلب، من أجل 350 ألف مدني محاصر لم تتمكن "الأمم المتحدة" ولا "المجتمع الدولي" من إيصال المساعدات لهم، وهم بأمس الحاجة لها في ظل تصاعد الأزمة الإنسانية وفرض الحصار للمرة الثانية عليهم منذ أسبوعين تقريباً. سياسة الحصار والتجويع، أصبحت نهجاً لروسيا والنظام وإيران، لتركيع المعارضة، واستخدام المدنيين، كورقة ضغط لإجبار المعارضة على القبول بشروط الاستسلام، وسط مجازر يومية بحق الناس المحاصرين على مرأى ومسمع الأمم المتحدة والمكاتب والمنظمات التابعة لها.