فك حصار حلب: صدمة في اللاذقية

أسعد أحمد العلي
الأحد   2016/08/07
تعتبر حلب طالعاً سيئاً على المؤيدين (تويتر)
كتب إعلامي مؤيد للنظام في مواقع التواصل الإجتماعي، أثناء معركة المعارضة لكسر حصار حلب: "أنا في مدينة جبلة، غير بعيد عن قاعدة حميميم، هدوء غريب لم أستطع تفسيره في سماء هذه القاعدة، فيما حلب على صفيح ساخن". المنشور الصغير للإعلامي المؤيد، كان كفيلاً بإطلاق حفلة من الشتائم والاهانات من قبل المؤيدين ضد حليف النظام الحميم روسيا.

ويعيش مؤيدو النظام صدمة السقوط السريع لحصون قوات النظام العسكرية في حلب، حتى أن كثيراً منهم يرفض بشكل قطعي الاعتراف بنتائج معركة ساهمت بفك حصار حلب الشرقية، بعدما عمل النظام وحلفاؤه شهوراً طويلة لفرضه. استمرار الموالين في حالة من الانكار، للحفاظ على فرحتهم بحصار حلب، الذي لم يدم طويلاً، نظراً لتحرك المعارضة السريع، ما تسبب في تبديد حلم إعلان الانتصار على "المؤامرة الكونية" المحاكة ضدهم.

القلق والترقب مازالا يرتسمان على وجوه العديد من المؤيدين حتى الآن. كثير منهم لديه قريب أو صديق أو شقيق، انقطعت اخباره في "مدرسة المدفعية" أو منطقة الراموسة ومحيطها، التي تهاوت بسرعة كبيرة أمام مقاتلي المعارضة السورية. الاتصال بالأقرباء شبه مستحيل، وفي أحسن الأحوال، يمكن التواصل مع أحد المتواجدين في القسم الخاضع للنظام في المدينة، للسؤال عن مصيره الأبناء، المجهول حتى الآن. العشرات أصبحوا في عداد المفقودين، مع وجود اسماء أشخاص بات ذووهم شبه واثقين من مقتلهم، عن طريق خبر من رفيق سلاح نجا من الموت، مؤقتاً، ليشارك في عملية إعادة التجمع في موقع آخر.

أخبار شحيحة يحاول المؤيدون الحصول عليها عن حقيقة الوضع؛ في ظل قلة المراسلين الميدانيين، واثبات كذب معلومات البعض منهم. ما جعل المؤيدين يفقدون الثقة بإمكان معرفة الحقيقة، خاصة مع غياب الاعلام الرسمي عن الساحة بشكل تام، واكتساح وسائل إعلام المعارضة للمشهد. ورغم تكذيبهم لأخبار المعارضة، إلا أنهم سرعان ما يهرعون لسماعها، في كل معركة أو حدث مفصلي من عمر "أزمتهم".

زخم كبير خصص لمعركة حلب من قبل النظام والدول الداعمة له، إعلامياً وعسكرياً؛ قوات كثيرة جندت من أبناء اللاذقية والنازحين المتواجدين فيها، أرسلت إلى المعركة الكبرى في حلب، مدعومة بالطيران الروسي والمليشيات. حتى أن الترويج لوجود قائد "فيلق القدس" الإيراني قاسم سليماني، على رأس المقاتلين في حلب، مراراً وتكراراً، اعطى تطميناً كبيراً للمؤيدين بحتمية الانتصار في المعركة، التي أطبقت الحصار في البداية، على مناطق المعارضة في حلب الشرقية. فكانت المجريات مؤشراً ايجابياً قوياً للمؤيدين، الذين احتفلوا بقرب نهاية الأزمة. ولكن انقلاب الموازين بسرعة هائلة جعلت الجميع يدخل في صدمة.

وحلب تعتبر طالعاً سيئاً على المؤيدين، فلا يحملون منها في ذاكرتهم سوى صور الاعدامات الجماعية لضباطهم ومجنديهم. وتسمى حلب في الأوساط الشعبية المؤيدة في الساحل بـ"الثقب الأسود" الذي يبتلع كل شيء. "لماذا حصل ذلك؟" يبقى السؤال الأكثر إلحاحاً على ألسنتهم حتى الآن، من دون الوصول إلى جواب شاف. فالتخبط مازال سيد الموقف، لاسيما مع انكار النظام لسقوط جميع النقاط والمواقع واصراره على أن الأمور بخير.

مناجاة الحليف الروسي، ومطالبته بإبادة "الارهابيين"، باتت أمراً مطلوباً وبشدة، رغم الاستياء الواضح من أداء هذا الحليف في تغطية معارك قوات النظام جوياً، ما تسبب سابقاً في خسائر مروعة لها، في تل العيس وخان طومان في ريف حلب الجنوبي. ويشمل الاستغراب أيضاً أداء الحليف الايراني، الذي يرى في حلب معركته الأهم. ما جعل المؤيدين يعترفون بأنهم الآن "الحلقة الأضعف"، في واقع بات الحلفاء يتحكمون بمفاصله. فيأخذ المؤيدون دور المتفرج، ويشعرون بالخذلان من قبل الجميع.

لايزال موالو النظام يبحثون عن حلول مستعجلة لتدارك هزيمتهم في حلب، عبر تحركات سريعة في ريف اللاذقية الشمالي، لاستعادة كنسبا الاستراتيجية التي خسرها النظام منذ قرابة شهرين، ما قد يعتبر تعويضاً ناجعاً عن خسارة حلب. ورغم ندرة تغطية الطيران الروسي المنشغل بشكل كبير في معارك حلب، إلا أن الموالين ينتظرون انتصاراً من هنا أو هناك، يعيد لهم ثقتهم بأنفسهم وجيشهم وحلفائهم. وعلى الرغم من أملهم المعقود لتحقيق تقدم بسيط في حلب يحافظ على وجودهم المستمر فيها، إلا أن تخوفهم من الخطوة التالية يبقى هاجساً يؤرقهم.

ولعل السعي لتحصين الساحل واخراج المعارضة المسلحة منه بشكل نهائي، يعتبر ترجمة حقيقة لإيمان الموالين بالفكرة القائلة أن "سقوط حلب يعتبر سقوطاً للنظام، ومقدمة موجبة للتقسيم". وعليه يتوجب الآن، تحصين الساحل ليبقى الحديقة الخلفية الآمنة لهم، التي سينكفئون إليها مع استمرار تدهور الأمور.