"الجماعة الإسلامية" في طريقها إلى السيسي

محمد عبدالمعطي المحمد
الأحد   2016/12/25
من تظاهرات الجماعة الإسلامية في مصر (دوت مصر-أرشيف)
تتجه "الجماعة الإسلامية" للتوصل الى تسوية مع النظام المصري، بعد اتصالات مكثفة بين الطرفين، ما قد يزعج جماعة الإخوان المسلمين، لما سيترتب عن تلك التسوية من فض للشراكة السياسية بين الإخوان والجماعة، القائمة بينهما في "تحالف دعم الشرعية".


وسببت العلاقة بين الإخوان و"الجماعة الإسلامية" الكثير من المواقف المتناقضة داخل صفوف الجماعة، وقد ظهر الخلاف إلى العلن على لسان العديد من القيادات التاريخية للجماعة كعبود الزمر، وأسامة حافظ، اللذين طالبا بالخروج من "التحالف" اتقاءً لشر الضربات الأمنية، خصوصاً وأن الإخوان روجت لنفسها في السابق كبديل سلمي للجماعة، التي انتهجت العنف في الثمانينات والتسعينات.


ومن الشروط التي حققتها الجماعة تمهيداً لتطبيع العلاقات مع النظام، كان خفض سقف الهجوم والانتقاد للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي شخصياً، وفض التحالف والتنسيق مع الإخوان. تلك الشروط كانت طلبات وزارة الداخلية والأمن الوطني، التي انتقل إليها ملف التواصل مع الجماعة، بعد أن كان في عهدة مسؤولين تابعين لرئاسة الجمهورية، وهو أمر تقرأه قيادات الجماعة جيداً وترغب في استثماره، بالبقاء في حيز التفاهمات السياسية، وعدم تحولها إلى ملف أمني.


مؤخراً، عادت "الجماعة الإسلامية" للعمل على استحياء في بعض المساجد، وتنظيم المؤتمرات والندوات الدينية، كما تم إخطار أفراد الجماعة وحزبها "البناء والتنمية" بعدم وجود ما يمنع عودتهم للعمل في مقراتهم، والعمل السياسي مرة أخرى، شريطة الخروج من الحيز الرمادي، واتخاذ قرارات واضحة وصريحة بالانفصال عن الإخوان، على الرغم من أن بعض قيادييها في الخارج يعتاشون من موارد محسوبة على الإخوان.


وانسحبت الجماعة قبل نحو 3 أشهر مما يسمى "مبادرة واشنطن" التي دشنها قياديون إخوانيون وشخصيات أخرى موالية للجماعة، بدعوى الحفاظ على الهوية "الإسلامية المتجذرة"، باعتبارها أولى من "الاصطفاف الوطني" الذي تسعى له أجنحة في الإخوان المسلمين.


وبحسب مصادر في "الجماعة الإسلامية"، فقد شهدت الفترة الماضية إخلاء سبيل عدد من أفرادها وأنصارها، وكذلك تسوية قضايا لأفراد آخرين كانوا يحاكمون على إثرها، مع تعهد أمني بعد عدم تعرضهم أو انتقاصهم من "مميزات ما بعد المبادرة".


وللجماعة سوابق في مثل هذا النوع من المناورات، إذ أطلقت عام 1997 مبادرة لوقف العنف، سببت انقساماً داخل صفوفها، إلا أنها ساهمت في تسوية ملفات العديد من معتقليها في السجون، وكذلك إعادة توظيف بعضهم في المصالح الحكومية ووقف الملاحقات والمضايقات الأمنية لهم. 


وعلى الرغم من أن التيار الداعم لفض التحالف مع الإخوان هو المسيطر داخل الحركة، إلا أن ذلك لم يمنع من اعتراض التيار الآخر من تحويل اعتراضه إلى خلاف حاد داخل صفوفها، وصل إلى درجة اعتبار خطوة التسوية مع النظام تخلياً عن "الإسلاميين في محنتهم" ودعماً وتمكيناً للسيسي، وهو ما استدعى جولات تهيئة وتمهيداً للقواعد بشأن الانسحاب، قبل نحو عام، رعاها سابقاً رئيس مجلس الشورى في الجماعة عصام دربالة، بعد فتوى لعدد من الشرعيين بعدم وجود إثم في الخروج من "تحالف دعم الشرعية". 


آنذاك، عمدت أجهزة وزارة الداخلية إلى غض الطرف عن تحركات دربالة بين المحافظات التي تحظى فيها الجماعة بثقل، ما سمح لحزب "البناء والتنمية"، الجناح السياسي للجماعة، بتنظيم العديد من الفعاليات، على رأسها ندوة عامة في مقر الحزب ألقى فيها دربالة مداخلة حول تجارب "الحركة الإسلامية في الحكم" في أفغانستان وتركيا والسودان، مهاجماً جماعة الإخوان التي لم تستطع أن تدير "الصراع الموجود" بطريقة صحيحة، على حد تعبيره. 


تلك الجهود تعرضت إلى ضربة قاصمة بعد اعتقال دربالة في مايو/أيار 2015، الأمر الذي اعتبر إجهاضاً للتهدئة بين الجماعة والسلطات المصرية، في إطار تباين الرؤى وصراعات الأجنحة الامنية في مصر، خصوصاً وأن اعتقال دربالة أعاد التذكير بما جرى في العام 1997 في الجولات النهائية قبل إعلان الجماعة لمبادرتها الشهيرة، إذ جرى بالتزامن مع مفاوضات متلاحقة بين نائب رئيس جهاز أمن الدولة اللواء أحمد رفعت، الشهير بالحاج مصطفى رأفت، وقيادات الجماعة، حملة واسعة لتنفيذ الإعدامات بحق أفراد الجماعة.


وعلى الرغم من موت دربالة في السجن، بعد نحو 3 أشهر من اعتقاله، وهو ما اعتبرته الجماعة في تصريح رسمي "قتلاً متعمداً بعدما منعت عنه إدارة السجن الدواء والرعاية الصحية على مدار أشهر قبل وفاته"، إلا أن هذه الذكرى باتت في طي النسيان لدى الجماعة حالياً.


من جهة ثانية، ساهم مقتل مسؤول الجناح العسكري في الجماعة رفاعي طه، في سوريا، بالتعجيل لإنجاز المصالحة. وقتل طه في سوريا في 8 أبريل/نيسان 2016، إثر استهداف سيارته بقصف جوي، أثناء مهمته لتوحيد فصيلي "جبهة النصرة" وحركة "أحرار الشام الإسلامية" وفق ما أعلنه القيادي البارز بصفوف الجماعة، عاصم عبد الماجد.

وبحسب مصادر مطلعة على التفاهمات/الاتصالات بين الجماعة وقيادات أمنية، فإن الأخيرة أبدت ارتياحاً لمقتل طه، وهو ما عجل بوتيرة التفاهمات نظراً لمعارضته التقارب مع السلطة، وقدرته الخطابية العالية وسيطرته على الأتباع وخبرته في العمل التنظيمي، ولما له من "سبق في الجهاد" حتى أنه لقب بين أوساط الجهاديين الإسلاميين بـ"سندباد الجهاد" نتيجة تنقله في العديد من الدول والأماكن التي شهدت صراعات مسلحة.