القواعد الأميركية في سوريا: دور مستقبلي

خليل عساف
الأحد   2016/10/09
الأميركيون، لم يُبدوا أي التزام سياسي واضح تجاه أي طرف في سوريّا خارج أجندة "محاربة الإرهاب" (أ ف ب)
تعمل وزارة الدفاع الأميركية "البنتاغون" على توسيع الوجود العسكري الأميركي في سوريا، عبر بناء قواعد عسكرية في خمسة مواقع في محافظتي الحسكة وحلب، في مناطق تُسيطر عليها "وحدات حماية الشعب" الكردية الذراع العسكرية لحزب "الاتحاد الديموقراطي" الكردي.

وبوشر العمل مطلع آذار/مارس في إنشاء قاعدة للطيران المروحي والتدريب في قرية الجلبية "خراب عشك"، المجاورة لشركة "لافارج" لإنتاج الإسمنت في ريف حلب الشمالي، بمساحة تُقدر بـ35 كيلومتراً مربعاً. واتخذ الأميركيون من بعض أبنية الشركة مقراً لهم، وتم شراء أراض خاصة من فلاحي المنطقة بمبالغ تجاوزت 3000 دولار أميركي للدونم الواحد، في حين لا يتجاوز سعر الدونم 100 دولار في الأحوال العادية. كما قدّم حزب "الاتحاد الديموقراطي" الجزء الأكبر من المساحة اللازمة، أي حوالى 70 في المئة منها، مجاناً، رغم أن ملكيتها تابعة لـ"الدولة" السورية.

وتضم هذه القاعدة مهبطي طيران مروحي، وحقول تدريب على مختلف صنوف الأسلحة، ويتواجد فيها 45 عسكرياً وخبيراً أميركياً، قاموا خلال الفترة القصيرة الماضية بتجريب أسلحة جديدة كانت قد نُقلت أواخر آب/أغسطس إلى القاعدة. ولهذه القاعدة أهمية جيوسياسية وعسكرية خاصة نظراً لإشرافها على طريق حلب-الحسكة، وقربها من سدي تشرين والفرات على نهر الفرات، وكذلك توسطها المسافة بين منبج وعين العرب والرقة.

وغير بعيد عن هذه القاعدة، يبني الأميركيون قاعدة ثانية في تل النور، وبمساحة تقارب مساحة قاعدة الجَلبيِّة. وتقع قاعدة تل النور شمالي مفرق صرين على الحدود الإدارية بين محافظتي الرقة وحلب. وبدورها لا تبعد هذه القاعدة سوى أربعة كيلومترات شمالي طريق حلب-الحسكة ومسافة 25 كيلومتراً إلى الغرب من قاعدة الجلبية، ومسافة 45 كيلومتراً إلى الغرب الشمالي من بلدة عين عيسى في ريف الرقة الشمالي. ومعظم الأراضي التي تُبنى عليها هذه القاعدة، بنسبة 80 في المئة، تم شراؤها من فلاحي القرية، فيما قدم حزب "الاتحاد الديموقراطي" بقية المساحة مجاناً من أملاك "الدولة" أيضاً.

ويُشير شهود عيان من أبناء المنطقة، إلى أن القاعدة تشهد أعمال تجهيز على مدار 24 ساعة، وتشمل أشغال تعبيد وتشطيب أبنية، من دون وضوح وظيفتها العسكرية، ويُشرف على هذه الأعمال خمسة خبراء أميركيين، يأتون يومياً من قاعدة الجلبية.

ومنذ مطلع آذار/مارس، حوَّلت قوات أميركية مطاراً زرعياً في رمیلان 120 كيلومتراً إلى الشمال الشرقي من مركز محافظة الحسكة، إلى قاعدة عسكرية، وأقامت حواجز اسمنتية كبيرة في محيطه بعدما قامت قوات "آسايش" (قوات الأمن الداخلي التابعة لحزب الاتحاد الديموقراطي) بتهجير سكان المنطقة العرب من محيطه واستولت على أراضيهم. وبدأت تفد إلى هذه القاعدة مجموعات صغيرة من قوات المشاة الأميركية حتى وصل العدد أخيراً إلى حوالى 200 جندي يتحدث معظمهم اللغة العربية، ويُقال إن بعضهم من السوريين المُجنسين حديثاً في أميركا. وبينما تجري حالياً أعمال إنشائية لتوسعة هذه القاعدة، أكد أحد الناشطين تحويل أحد الأبنية فيها إلى سجن و"أن معتقلين عراقيين وسوريين يُجلبون إليه منذ ثلاثة أشهر".

ومنذ نحو عشرة أيام، بدأ الأميركيون بشراء المزيد من الأراضي المجاورة لقاعدة رميلان، من جهاتها الأربع، بسعر دونم الأرض الواحد إلى 5000 دولار، فيما صُودرتْ للغاية ذاتها أملاك لآخرين لم يقبلوا ببيع أراضيهم.

وفي محافظة الحسكة قاعدة أميركية صغيرة في منطقة مبروكة، وتبعد حوالي 85 كيلومتراً شرق شمالي مدينة الحسكة؛ وهذه القاعدة عبارة عن مجموعة من الكرافانات والمستودعات، ويندر تواجد جنود أميركيين فيها، إذ تُركتْ "حراستها للقوات الكردية من دون أن يكون لها الحق في الدخول إليها"، بحسب رواية أحد سكان المنطقة.

وتوجد قاعدة أميركية ثالثة في محافظة الحسكة تقع في تل بيدر، وتبعد حوالي 35 كيلومتراً إلى الشمال الشرقي من مدينة الحسكة. وتُعتبر قاعدة تل بيدر الأكثر غموضاً سواء لجهة حجم القوات المتواجدة فيها أو لجهة وظيفتها، بسبب الطوق الأمني المضروب حولها.

وإضافة إلى القواعد الخمس في الجَلبيَّة وتل النور ورميلان ومبروكة وتل بيدر، كانت قوات أميركية قد نقلت كرافانات وبيوتاً مسبقة الصنع إلى موقع شركة الجبسة للنفط في محافظة الحسكة، بعد دحر تنظيم "الدولة الإسلامية" من مناطق الهول والشدادي. وفُهمَ من هذا الأمر احتمال إنشاء قاعدة أخرى هناك. كما تُشير أوساط حزب "الاتحاد الديموقراطي" إلى أن الأميركيين يعتزمون بناء قاعدة كبيرة جداً، ستفوق في حجمها وأهميتها كل القواعد السابقة، في منطقة عفرين في ريف حلب الشمالي الغربي.

الأميركيون، الذين لم يُبدوا أي التزام سياسي واضح تجاه أي طرف سياسي أو عسكري في سوريا خارج أجندة "محاربة الإرهاب" التي يقودونها، تركوا لكل طرف من شركائهم وأعدائهم المحليين تفسير وظائف وأهمية هذه القواعد؛ بالنسبة للأكراد هي درع يحميهم من التدخل التركي، ولجزء من العرب مقدمة لفرض واقع سياسي وديموغرافي جديد عليهم. إلّا أن ما يبدو مُرجحاً اليوم أن دوراً أميركياً في سوريا قد وُضعتْ أسسه، قد يطول الزمن قبل أن تظهر نتائجه النهائية.