كرة ثلج "بيغيدا" تتدحرج في شتاء أوروبا البارد
يدلّ تنامي وانتشار مناهضي حركة "بيغيدا" في المدن الألمانية، وشعاراتهم: "لا لبيغيد"، و"إذا أنتم الشعب! فنحن إذاً لاجئين"، و"نعم لألمانيا ملونة متسامحة"، على مدى دفاعهم عن هوية الدولة الألمانية كهوية مواطنية تعددية، لا كهوية دينية أو قومية. كيف لا؟ وذاكرة الألمان مازالت مليئة بمآسي حربيين عالميتين طاحنتين.
مع أكثر من عشرين ألف متظاهر احتجاجاً على تظاهرة بالآلاف نظمتها حركة ليغيدا "فرع بيغيدا في لايبزغ"، استنفر أكثر من أربعين ألف شرطي في ساحة "آوغوسطوس" في المدينة، الأربعاء. ولم يكتفِ أنصار بيغيدا في رفع صور كاريكاتورية مستفزة للمستشارة الألمانية أنجلا ميركل، مرتديةٌ فيها الحجاب، ساخرين من تصريحاتها "الإسلام جزء من المجتمع الألماني"، بل أخذوا برشق مناهضيهم بالزجاجات الفارغة صارخين "نحن الشعب". كما لم تكثرث الناطقة الرسمية الجديدة لبيغيدا، كاترين أورتل، لانسحاب مؤسس الحركة والناطق السابق باسمها بوخمان، قائلة: "نحن مستمرون".
وبيغيدا (PEGIDA) اختصار لجملة ألمانية تعني: "أوروبيون وطنيون ضد أسلمة أرض المساء"، والمقصود بأرض المساء هو الغرب، أي الأراضي التي تصلها الشمس. هذا المصطلح كان يطلق في العصور الوسطى للتدليل على الشطر الأوربي الغربي. وفي عصر الرومانسية الذي وصل ذروته في خمسينيات القرن المنصرم، تحوّل المصطلح إلى تسمية للغرب، كتقليد رسمي.
إرهاصات التشكيل
بادرَ بوخمان في تشرين ثاني/نوفمبر 2014، إلى إطلاق مجموعة في موقع التواصل "فيس بوك"، تحت اسم "الأحرار الأوريبيون ضد أسلمة الغرب". وهدفت المجموعة للإحتجاج على السماح لتظاهرات في ألمانيا، قادها حزب العمال الكردستاني المحظور، لحشد الدعم من أجل معركته المسلحة ضد تنظيم الدولة الإسلامية، كما هدفت إلى الوقوف في وجه احضار صراعات الشرق إلى المجتمع الألماني واشغاله بها.
في حين انضم سيغفريد، وهو العضو السابق لمجلس مدينة مايزن، ممثلاً عن الحزب الفيدرالي الألماني، إلى احتجاجات المجموعة في 16 تشرين الأول/أوكتوبر 2014. ووقف في التظاهره ضد "محاولة أسلمة ألمانيا"، ونقل "حروب الشرق الدينية إلى شوارعنا"، عبر أحزاب وقوى دينية "إرهابية" كالقاعدة والدولة الإسلامية والعمال الكردستاني. رفع بوخمان لافتة مأخوذة من العام 1960 عن دعاية انتخابية للحزب المسيحي الديمقراطي، الحاكم الحالي في ألمانيا، وتقول: "انقذوا ثقافة الغرب". وطالب الساسة الألمان بالإبتعاد عن الكياسة السياسية، ونادى المجتمع المدني الألماني إلى تناسي اللباقة الإجتماعية تجاه الأجانب، ووجوب الإشارة إلى "عنصرية الأجانب"، من قبل "شعب ألمانيا ومواطنيها".
في الوقت نفسه اعترض بوخمان، على اقتراح اليمين المتطرف والنازيين الجدد، باستبدال كلمة "وطنيين" بـ"قوميين"، قائلاً: "لا نريد للحمقى العنصريين والنازيين الجدد استثمار تفاعل المواطنين المتزايد والمتوقع مع حركتنا!". وحث على الإستمرار والدوام في التظاهر أسبوعياً في درزدن والمدن الأخرى.
بيغيدا الآن
ولم يمانع منظمو تظاهرات بيغيدا، مشاركة النازيين الجدد ومثيري الشغب "الهولغنز" لهم، شرط أن تبقى الشعارات سلمية. ولم تستبعد القاضية ماير، في المحكمة الدستورية في ساكسن، علاقة مثيري الشغب مع بعض قيادات بيغيدا، ومازالت تبحث عن الأدلة. بوخمان أعرب عن فرحه لتعاظم الحركة قائلاً في موقعها الرسمي: "ألمانيا تستيقظ".
آثرت بيغيدا حشد زخم جماهيري بصمت، وامتنعت عن اصدار بيانات إعلامية، رافضة التواصل مع وسائل الإعلام. وفي أول مؤتمر صحافي رسمي نظمته الحرك في 19 كانون ثاني/يناير، أعلن بوخمان: "مازالت المظاهرات مستمرة و الحوارات مع السياسيين أيضاً، لكن لا إجابة بعد على أسئلتنا".
حجم المشاركة
انتشرت بيغيدا رسمياً في أكثر من عشرة مدن ألمانية، ومازالت تكبر ككرة الثلج، على الرغم من امتعاض كثر من الساسة الألمان، واتساع حركات التظاهر والاحتجاجات ضدها من قبل الكثير من فعاليات المجتمع المدني الألماني، الذين عبروا عن تخوفهم على ألمانيا الملونة. رئيس دولة ألمانيا الإتحادية يوخيم غاوك نعت أنصار الحركة بـ"التيارات الفوضوية".
المطالب المعلنة
حثت بيغيدا على تفعيل دور الديمقراطية المباشرة في الأقاليم، وطالبت بانهاء أجواء الحرب مع روسيا، ومنع إرسال شحنات الأسلحة إلى مناطق الصراع في العالم، وطالبت بالمزيد من الأموال لصالح الأجهزة الأمنية الألمانية في الداخل، وبناء صندوق إغاثي أوروبي، وزيادة الدعم الإجتماعي للمواطن الألماني.
ردود الأفعال
وفي كانون أول/ديسمبر، اتسعت رقعة مناهضي بيغيدا إلى أكثر من ثلاثة عشرة مدينة ألمانية، وحشدت تظاهراتهم ما يقارب 17 ألف مواطن في خمس مدن. المشاركة تزايدت باطراد حتى كانون ثاني/يناير، حيث حشدت 97 ألف مواطن في 13 مدينة، تحت شعار "لنطفئ النور عن العنصريين".
يقول بعض علماء الإجتماع الألمان، بإن معظم المتفاعلين مع بيغيدا هم من الطبقة الوسطة، وأكثرهم من المواطنين المحافظين ذوي النظرة اليمينية والشعبوية. كما يتخوفون من استغلال الحركات العنصرية وكارهي الأجانب، لحركة بيغيدا. وتبقى الأسئلة المطروحة اليوم: هل يستجيب الساسة الألمان وممثلو المجتمع المدني والديني للنقاش مع بيغيدا؟ وكيف ستستثمر بيغيدا الأحداث الإرهابية في باريس؟ وإلى أين ستدحرج كرة ثلجها؟ وماذا سيكون حجمها في شتاء أوروبا البارد؟