الثلاثاء 2020/01/21

آخر تحديث: 08:46 (بيروت)

لا مبرر للمرتزقة السوريين في ليبيا

الثلاثاء 2020/01/21
لا مبرر للمرتزقة السوريين في ليبيا
increase حجم الخط decrease
تثير مسألة إرسال الحكومة التركية عدداً من المقاتلين السوريين إلى ليبيا للقتال إلى جانب فصائل وكتائب داعمة لـ"حكومة الوفاق" فيها، أشجاناً وحساسيات لدى سوريين كثر، فضلاً عن أنها باتت تشكل مادة للنقاش والاختلاف، وللتجاذب والتشهير والتهويل، إعلامياً وسياسياً.

ويجري الحديث عن تجنيد تركيا مقاتلين سوريين ينتمون إلى فصائل مدعومة من طرفها وموالية لها، وتحولوا تحت إدارتها إلى أداة لتحقيق أهدافها، الأمر الذي أحدث إرباكات وتحديات أخلاقية، غير مسبوقة، بالنسبة إلى معظم المقاتلين في فصائل المعارضة.

وجرى التهويل من المسألة في إطار صراع المحاور الإقليمي والدولي في المنطقة، مع العلم أن أعداداَ كبيرة من المرتزقة، ومن جنسيات مختلفة، كانوا موجودين ليبيا قبل السوريين، واعترف المبعوث الأممي غسان سلامة أن "هناك عدداً كبيراً من غير الليبيين الذين يقاتلون في الجبهات الليبية. هناك مقاتلون من أكثر من 10 دول، آخرهم كان وصول عدد من المقاتلين السوريين"، لكن ذلك لا يبرر أي شيء.

ولا شك في أن الوضع الليبي شهد مزيداً من التعقيد، خاصة بعد زيادة التدخل العسكري المباشر لكل من روسيا الاتحادية وتركيا، ودعمهما جهتين متعارضتين، إضافة إلى تدخلات كل من فرنسا وإيطاليا والولايات المتحدة ومصر والإمارات العربية المتحدة وسواها، وإرسال أغلب هذه الدول مختلف أنواع الأسلحة ومجاميع من المرتزقة، للقتال إلى جانب الأطراف المتصارعة في ليبيا، في إطار صراع دولي وإقليمي لحرب بالوكلاء والمرتزقة، بالنظر إلى أنها أقل كلفة بالنسبة إلى هذه الدول الخائضة في الدم الليبي، ولا تستوجب أي تبعات قانونية .

وبات التعارض أو الفشل في توافق المصالح والأجندات ما بين الساسة الروس والساسة الأتراك، ينعكس على الأوضاع في كل من سورية وليبيا، بمعنى أنه عندما فشل اجتماع موسكو في التوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار مع مغادرة اللواء خليفة حفتر موسكو، اهتزت الهدنة الهشة في إدلب، فصعد الروس ونظام الأسد من هجمات قواتهم عليها، وارتكبوا مجازر جديدة بحق المدنيين في مناطق عديدة من هذه المحافظة السورية.

في الجانب التركي، رفضت أحزاب المعارضة حتى فكرة إرسال قوات إلى ليبيا، فيما غالبية المواطنين الأتراك لا تعرف شيئاً عن تلك البلاد، ولم تعترض على إرسال حكومة بلادهم مقاتلين إليها، بل عادة ما تركن إلى ما تقوله وسائل الإعلام عن أهداف حكومتهم في حماية استثماراتها في ليبيا وحصتها في حقول الغاز والنفط بمنطقة شرق البحر الأبيض المتوسط، والأهم أنهم كانوا ينظرون بعين الرضا عندما شاهدوا مقاتلين سوريين يقاتلون إلى جانب قوات بلادهم في عملية شرقي الفرات وسواها.

في الجانب السوري، استنكر سوريون كثر، ومنذ البداية، تحول المقاتل إلى مرتزق، مهما كانت المبررات، بل واستنكروا فكرة موافقة أي سوري على القتال خارج سورية، مهما كانت الذرائع التي يقدمها، وأيّاً كانت المغريات والضغوط التي مورست عليه، لذلك سارع عدد من المثقفين والأكاديميين والسياسيين السوريين إلى إصدار بيان للرأي العام العام السوري والعربي والدولي، أدانوا فيه وبشدة إقدام أي مقاتل "وتحت أي مسمى أو ذريعة على الموافقة بالذهاب إلى ليبيا للقتال هناك، فالشعب الليبي وحده من يقرر مصيره ويخوض معركته"، من منطلق أن السوريين حملوا السلاح دفاعاً عن أنفسهم، وعن حقهم بالحياة وبالحرية في مواجهة نظام الإسد الإجرامي، الذي "ارتكب بحقهم كل أنواع جرائم الحرب واستعان في ذلك بمرتزقة من كل أصقاع الدنيا".

والواقع هو أن عدداً من مقاتلي الفصائل السورية، رفضوا علانية الموافقة على الذهاب إلى ليبيا، لأن معركتهم هي ضد نظام الأسد المجرم وميليشيات المرتزقة التي استعان بها من كل حدب وصوب، ومع ذلك، فإن الإدانة لا توجه إلى المرتزق فقط، بل لمن جنده وزجّه في معركة ليست معركته. وقد عانت غالبية السوريون من جرائم ارتكبها مرتزقة نظام الملالي الإيراني القابع في طهران، ومن المرتزقة الروس وسواهم، لذلك فإن رفض الارتزاق هو رفض لمبدأ تجنيد المرتزقة الذين يحاربون في حروب الآخرين، بما يعني رفض وجود الميليشيات والمرتزقة من لبنان والعراق وإيران وأفغانستان وروسيا وسواها على الأرض السورية، وعلى غيرها.

غير أن السؤال الذي يطرح هو: هل من المجدي البحث في دوافع وماهية الذين يقاتلون نيابة عن غيرهم في معارك ليست معاركهم؟ لا مجال للأعذار والمبررات، التي لا تتجاوز في الحالة السورية، الحاجة إلى إعالة عائلاتهم، مع العلم أن الحرب والعسكرة تجذب إليها أيضاً مقاتلين من أجل غنائم الحرب وسلطة السلاح والحصول على المال. بالمقابل هناك مقاتلون ثوار، يحاربون نظام الأسد وحلفائه ولا يصغون لأحد، ولا للدول، لكن غياب المجتمع الدولي والشرعية الأممية، وترك السوريين وحدهم عرضة للمجازر ولمختلف أنواع الانتهاكات، هو المسؤول الأكبر عن الوصول إلى حالات من الانكسارات والتناثر والتشظي على المستويات كافة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها