الأحد 2020/02/02

آخر تحديث: 14:32 (بيروت)

موسكو-أنقرة:حدود التفاهم

الأحد 2020/02/02
increase حجم الخط decrease

  يطرح تصعيد الحملة العسكرية على مناطق إدلب، التي تشنها القوات الروسية إلى جانب قوات الأسد وميليشيات نظام الملالي الإيراني، والموقف التركي حيالها، أسئلة كثيرة حول مدى هذا التصعيد، وحدود التفاهمات الروسية التركية حول سورية، ومستقبل علاقات البلدين، وتطاول الدور التركي، وعما إذا كان ما يجري متفقاً عليه في عالم الصفقات بين الدول، أم أن روسيا تستغل التفاهمات وتبتز شريكها التركي. 

  ولعل شكوى الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، من عدم احترام روسيا الاتفاقيات الموقعة مع بلاده بخصوص إدلب، التي أقرنها بإبلاغه الروس أن صبر تركيا قد بدأ ينفد من استمرار القصف في إدلب، وتهديده بالقيام بحملة عسكرية، لا يجد ما يجسده على الأرض، حيث سقطت معرة النعمان، وسط أقاويل عن محدودية الدعم التركي للفصائل، وعدم حماس "هيئة تحرير الشام" للدفاع عنها، إلى جانب عدم سماحها لمقاتلين من "الجيش الوطني" بالانخراط في المعارك.

 غير أن اعتباره مسار أستانة قد انتهى، اقترن بدعوة روسيا إلى إحيائه، مع أن هذا المسار، الذي انطلق منذ بداية 2016، أفضى إلى تقسيم الروس، بالتفاهم مع الأتراك، مناطق المعارضة إلى أربع مناطق "خفض التصعيد"، جرى قضمها الواحدة تلو الأخرى. وكانت غايتهم من اجتراح مسارات أستانة وسوتشي، تحقيق أهداف تدخلهم العسكري المباشر في سورية لتمكين نطام الأسد، لذلك، لن يتوقفوا عند إعادة السيطرة على مناطق معرة النعمان فقط، بل، بالسيطرة على سراقب وأريحا وما بعدهما، بغية توسيع بسط النفوذ الروسي، وإعادة سيطرة نظام الأسد الإجرامي على تلك المناطق. 

  يدرك المسؤولون الأتراك جيداً أن ساسة النظامين، البوتيني والأسدي، لا يفكرون إلا بالحل العسكري، حسبما صرح وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، الذي اعترف بأن قضية فتح الطرق الدولية (M4 و M5)، لم تعد تشكل محور اهتمام بالنسبة للروس ونظام الأسد، وطالب فصائل المعارضة السورية بالاستعداد للمعارك المقبلة، فيما تحدثت بعض التقارير عن مطالبة الرئيس إردوغان الفصائل السورية بالاستعداد "للمعركة الكبرى".

   هناك من فسّر كلام الرئيس أردوغان ووزير الخارجية التركي، بأنه يُذكر بالرسالة الإميركية لفصائل الجبهة الجنوبية، التي أعلنت فيها الولايات المتحدة تخليها عنها. وهناك من زعم أن المقصود منه ليس التخلي عن فصائل المعارضة التابعة لتركيا، وإنما إطلاق يدها من أجل شن عمليات دفاعية وهجومية، بل وتهديداً بسحب تركيا يدها من تعهداتها وضمانها لالتزام المعارضة بالتهدئة وخفض التصعيد! 

  لا شك في أن صانع القرار التركي قد قرأ جيداً الغاية من التصعيد الروسي، الراغب في إنهاء المعارك بأسرع وقتٍ ممكن، من أجل إتمام السيطرة واستكمال النفوذ الروسي في سورية، لكن التصعيد الروسي في إدلب، لا يلقى أي صدى في الشارع التركي، سوى في نشرات أخبار وسائل الإعلام التركية، الذي يقابل بعدم اكتراث ولا مبالاة، بينما تتحدث الأوساط السياسية عن الخيارات التركية المتاحة لها، وعما إذا كان الروس يستغلون الاتفاقات والتفاهمات مع ساسة بلادهم، مع أن موجة التصعيد العنيفة في إدلب، تضع كثيراً من إشارات الاستفهام حول العلاقات التركية الروسية ومستقبلها في سوريا، إذ أن العقل السياسي التركي السائد، تسوده قناعة بأن الروس لا يمكن الوثوق بهم، وأن الاتفاقات والتفاهمات الحالية في سوريا وليبيا، هي عبارة عن مصالح آنية لا أكثر، بالرغم من أن العلاقات الاقتصادية بين البلدين مختلفة تماما عن التفاهمات السياسية وعن التفاهمات العسكرية على الأرض بين الطرفين.

 ويكشف واقع الحال، أن العلاقات التركية الروسية، لا يمكن وضعها في خانة علاقات الفصل أو الوصل، بمعنى أنها إما أن تكون علاقات افتراق وانقطاع وتأزم، أو علاقات ودّ وتحالف متين وتطابق التوجهات، إذ ظهر من مخرجات مسار أستانة وسوتشي أن ساسة البلدين توافقوا عليها خدمة لمصالحهم ولنفوذهم في سورية، لكنهم كانوا على الدوام مختلفين في كيفية تطبيق بنودها، فاختلفوا على سبل تطبيقها، واختلفوا كذلك على تفسير مخرجاتها أيضاً، ومع ذلك حافظ الطرفان على علاقات متنامية.

  تاريخياً، على مدى قرون عديدة حارب العثمانيون جميع الدول المجاورة، وفرضوا سيطرتهم عليها، باستثناء روسيا ومعها إيران، وراحت الجمهورية التركية تحسب ذلك في علاقاتها مع هاتين الدولتين، متجنبة أي مواجهة معهما، ولعل الخطأ الذي حصل في إسقاط تركيا طائرة السوخوي 24 روسية في 24 نوفمبر/ تشرين الثاني 2015، جرى تصحيحه سريعاً، وأحدث ذلك تحولاً في مسار السياسة الخارجية التركية، رد عليه ساسة الكرملين بتخفيف الضغط على أنقرة، واقتنعوا بأن استمالة تركيا نحوهم أسهل من مضايقتها، وتطور الأمر إلى عقد اتفاقات وتفاهمات أشبه بالصفقات، مثل إعطائهم الضوء الأخضر لعملية "عملية غصن الزيتون" العسكرية في شرقي الفرات..وهو ما يبرر الافتراض أن موسكو تفاهمت مع أنقرة مسبقاً حول وضع إدلب، مقابل تأمين حدودها من خطر الميليشات الكردية في شرق الفرات، إضافة إلى رغبتها في بناء تفاهم جديد مع موسكو لتأمين مصالحها الاقتصادية في ليبيا.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها