والحدث الذي غطته وسائل الإعلام الرسمية بكثافة، حضر في وكالات الأنباء العالمية مثل "رويترز". وفي هذه التغطيات عموماً يتم الحديث بشكل سريع عن الجهات الراعية لترميم المسجد الأموي بعد الحرب الطاحنة في حلب، والتي شكلت المعركة الأهم في سياق الحرب السورية على الإطلاق، بين النظام ومعارضيه، وتُذكَر "الأمانة السورية للتنمية" في مقدمة تلك الجهات من دون تفاصيل عن طبيعة تلك المنظمة التي أنشأتها أسماء الأسد العام 2007 لاحتكار القوة الناعمة في البلاد عبر النشاط المجتمعي.
كما أن الفعالية التي يدغدغ بها إعلام النظام، مشاعر المسلمين السنّة في البلاد ممن يشكلون الغالبية في بلد ثار فيه السوريون ضد حكم الأقلية العلوية العام 2011 ما أدى لحرب أهلية سيطرت فيها الإسلاموية السنّية المتشددة على طبيعة وشكل المعارضة، شملت إلى جانب الأذان والاحتفال بـ"تطهير حلب من رجس الإرهاب"، مأدبة إفطار جماعي للفقراء ضمن حملة "تشارك بالخير" التي أطلقتها وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل بالتعاون مع "الأمانة السورية للتنمية" بحسب وكالة "سانا" الرسمية، وشارك فيها "نجوم الدراما السورية"!
وصياغة الخبر بطريقة رومانسية في وسائل الإعلام تخفي كثيراً من الحقائق: "بينما كانت الأدعية تملأ الأجواء وتفوح رائحة الأطباق التقليدية في الفناء، ساد الموقع شعور بالأمل والتضامن وهو ما قد يشير إلى فصل جديد من التعافي والتجديد في حلب"، تقول وكالة "رويترز" التي نقلت عن إمام الجامع الأموي محمد حسون: "منذ نحو 12 عاماً اقتلعت الحرب صوت هذا الجامع. تألمنا، حزنّا، إلا أننا بإذن الله تعالى وبإذن هؤلاء العمال الذين يكدون ويعرقون، سيرجع الجامع إلى ما كان عليه وستتعدد أصوات المؤذنين في هذا المسجد ليعود ويدخل إلى بيوت الحلبيين خمس مرات كل يوم بإذن الله".
ومع الحديث عن الحرب بين الحكومة "الشرعية" في دمشق وفصائل "الإرهاب"، يتم خلق انطباع لطالما صدّره النظام سياسياً ودبلوماسياً على أنه سلطة لا تمثل فقط "سوريا النور والحضارة" بتعاملها المثالي مع كافة الطوائف والأديان على قدم المساواة، بل أيضاً هي السلطة التي تحمي تلك الأديان والطوائف من بعضها البعض.
ويذكّر المشهد في حلب اليوم، بالعام 2016 عند نهاية الحرب في المدينة وانتصار النظام حينها، ما أفضى إلى تقهقهر المعارضة في عموم البلاد التي باتت اليوم تعيش صراعاً مجمداً من دون أفق واضح لحل سياسي نهائي.
وحينها انتشر مراسلو التلفزيونات السورية الرسمية وشبه الرسمية داخل أنقاض المسجد الأموي ومساجد أخرى أصغر في حلب الشرقية، حاملين نسخاً من القرآن في أيديهم للإشارة إلى أن من "يهدم بيوت الله" هو "الإرهاب الذي يدّعي الإسلام"، أما حامي المساجد فهو النظام السوري الحريص على كافة الأديان وتحديداً الإسلام، رغم كافة التقارير الحقوقية التي لطالما لامت النظام على قصفه المناطق المدنية بما في ذلك المساجد والكنائس، تحديداً بالبراميل المتفجرة.
وفي مواقع التواصل، يظهر موالو النظام السوري وهم يكيلون المديح والثناء لأسماء الأسد و"الأمانة السورية للتنمية" التي جددت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "يونيسكو" اعتمادها العام 2021، كمنظمة غير حكومية لأربع سنوات مقبلة، بعد تجديدين مماثلين العام 2011 و2017. وفيما يحارب النظام السوري الجمعيات غير الحكومية والعمل الخيري والناشطين المستقلين الذين يعتقلهم، حتى لو تحدثوا فقط عن حقوق الأطفال في البلاد من دون الغوص في السياسة (مثل الناشط رامي فيتالي في اللاذقية)، فإن احتكار ذلك النشاط عبر "الأمانة" لا يهدف فقط إلى قتل أي نشاط مجتمعي في البلاد بل يستهدف أيضاً المساعدات الإنسانية، بما في ذلك المساعدات الأممية لسوريا في فترة ما بعد الحرب.
وتطلق "الناشطة" أسماء، على نفسها، لقب "أمّ الكل"، منذ العام 2016، وهي تسمية لا تمثل فقط تلاعباً بالشعارات التي طالما صورت الرئيس السوري، حافظ ومن بعده بشار، على أنه "الأب القائد للدولة والمجتمع"، بل تمثل أيضاً تجسيداً حرفياً لاحتكار أسماء العمل الخيري ومنظمات المجتمع المدني في البلاد عبر "الأمانة السورية للتنمية" التي تعرف عن نفسها بجدية فاقعة في مدى ابتعادها عن الحقيقة بأنها "مؤسسة سورية غير حكومية وغير ربحية"، تعمل من أجل "تهيئة بيئة داعمة لتمكين الأفراد في سورية ليحققوا الازدهار لأنفسهم بأنفسهم، وليشاركوا في تنمية مجتمعاتهم".
وتأسست المنظمة العام 2007 بواسطة أسماء، بعد دمج عدد كبير من المنظمات غير الحكومية التي كانت أسستها سابقاً إثر زواجها من بشار الأسد العام 2000، بحسب دراسة حول "دور العمل الخيري في الحرب السورية" للباحثين في مركز "عمران للدراسات الاستراتيجية" أيمن الدسوقي وسنان حتاحت. وفي السنوات الماضية، برزت خلافات علنية وحادة بين أسماء، وأصحاب منظمات محلية من الموالين للنظام، مثل الناشطة المسيحية ماغي خزام صاحبة منظمة للتبشير المسيحي،
التي انقلبت على النظام وأطلقت لقب "سيدة الصبار" على أسماء مُتهمةً إياها بأنها تقف في وجهها وتمنعها من تقديم الأعمال الخيرية لأطفال سوريا عبر منظمتها "المملكة السورية".
وبحسب مجلة "إيكونوميست" البريطانية، بحثت أسماء الأسد، منذ عقدين، عن طرق لتوسيع تأثيرها، وجاء هذا عبر العمل الخيري. وبدأت محاولات توحيد عملها منذ صارت السيدة الأولى، في مؤسسة واحدة وهي "الأمانة السورية للتنمية". وحاولت جعلها وسيلة سوريا لمواجهة العالم، واستعانت بالسوريين من أصحاب الثقافة الغربية وبمسؤولين سابقين في الأمم المتحدة وشركة علاقات عامة في بوسطن، واستراتيجيين من مجموعة "مونيتور"، وابنة دبلوماسي ألماني.
ورغم إدارة أسماء ظهرها للمؤسسات الدولية،وهو ما أثّر في مالية جمعيتها، إلا أن علاقتها مع المانحين الدوليين استمرت. فتدفُّق الدعم الإنساني على سوريا كان معناه أن كل هذا الدعم سيمر عبر منظمتها. وبالنسبة للمنظمات الإغاثية التابعة للأمم المتحدة، والتي تبحث عن طرق لإيصال الدعم إلى المناطق الخاضعة للنظام، مثلت جمعية أسماء المحور المناسب، ففريقها المتحدث بالإنجليزية يعرف التنظيمات الدولية، ويمكن لأسماء فتح الأبواب للشيكات. وفي العام 2017 مر دعم إغاثي عبر "الأمانة" أكثر من أي جمعية أخرى في سوريا.
وبين العامين 2016 و2019 حصلت "الأمانة" على مبالغ كبيرة من المال تبرعت فيها وكالات الأمم المتحدة كل عام. وتبرعت مفوضية اللاجئين بمبلغ 6.5 ملايين دولار في الشهور الخمسة الأولى من 2018. ولدى "الأمانة" 1500 موظف بحلول 2020، و5 آلاف متطوع، وهي زيادة بعشرة أضعاف أثناء سنوات الحرب. ولم تقدم هذه الجمعية، لأسماء، الثروة فحسب، بل أيضاً الحماية من أمراء الحرب الذين طورت علاقات معهم، وهو ما أشعر السكان بالامتنان لها والإحسان الذي جاء على شكل حقائب مالية نقلت إلى المنظمات التي ترتبط بها.
ولا يظهر اسم أسماء في أي من الاستمارات السابقة الخاصة باعتمادية "الأمانة"، التي تدرجها "يونيسكو" في موقعها الرسمي. ففي العام 2017، جاء الطلب باسم فارس كلّاس، بوصفه "الأمين العام للسورية للتنمية". وكثفت "الأمانة" عملها في المناطق الأثرية خلال السنوات الأخيرة، وتحديداً في حلب.
وذكرت صحيفة "الوطن" شبه الرسمية في تموز/يوليو الماضي، على سبيل المثال، أن "الأمانة" تكثف "جهودها لتمويل مشاريع إعادة تأهيل وترميم أحياء وأسواق حلب القديمة عبر إطلاق مجموعة من القروض تلبية لاحتياجات التجار والحرفيين" بموجب اتفاقيتين أبرمتهما سابقاً مع "مصرف الوطنية للتمويل الأصغر وبنك البركة-سوريا".
والحال أن أسماء لم تكن بعيدة من سياسات النظام السوري مثلما يُخيل للبعض، بل لعبت منذ مطلع الألفية دوراً بارزاً في تلميع صورة النظام أمام المجتمع الدولي، كوجه "لطيف" يمثل القوة الناعمة للنظام من أجل إيصال أفكاره بشكل "خطاب ودّي وشخصي" أقل رسمية. وكان لها دور في إعادة رسم صورة النظام على المستوى المحلي عبر الأعمال الخيرية والإطلالات "العفوية" بين العامة، إضافة لممارستها الدور نفسه على صعيد السياسة الخارجية، وبالتحديد عندما نجحت في فك العزلة عن زوجها بشار خلال جنازة بابا الفاتيكان يوحنا بولس الثاني العام 2005، عندما رفض زعماء العالم الحديث معه وحتى الوقوف معه بسبب اتهام الأسد حينها باغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، لتتدخل أسماء حينها للحديث مع ملكة إسبانيا، ومع شيري بلير زوجة رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها