في أحجام أخرى أكبر، تستخدم بسيوني السلك والكرتون لتحولهم إلى شخوص شائهين، بنظرات منكسرة حزينة، وأجساد ثقيلة متصلبة، وكأنهم الحياة بأكملها هي الامتداد الأكثر اتساعا للزنازين الصغيرة، التي وضعت بسيوني شخوصها بداخلها. الحياة التي تمنع الفرد من اختبار نفسه في كامل أبعاد إنسانيته.
يمكن اعتبار أعمال كاملة بسيوني ورانيا عاطف، أعمالاً تقوم على خامة زائلة هي الورق المقوى والكرتون، بينما جوهر الفكرة أكثر بقاءً والتصاقاً بسؤال الوجود المستمر منذ وقت طويل في الفن المعاصر.
في الجزء الثالث من المعرض، وفي أعمال الفنانة أفروديت السيسي التي تواصل عملها في إعادة تدوير الزجاج، تلك الخامة التي توصلت من خلالها إلى أن القمامة ما هي إلا مواد مهدورة، وأن كلمة folige أصلها من المفردة الفرنسية feuillage، أي أوراق الأشجار. وأن أحد معاني كلمة folige هو "التزيين من خلال الرسم أو الزخرفة المعمارية لتصوير أوراق الأشجار، وفروعها، وزهورها". وهو جوهر هذا المشروع الذي يهدف إلى الاهتمام بالطبيعة وبجوهر فكرة إعادة التدوير.
جاءت الفكرة الأساسية للسيسي في محاولة لإقناع المتفرج، بالحفاظ على الطبيعة والمساهمة في نشر اللون الأخضر عن طريق استخدام الزجاجات الخضراء اللامعة المنصهرة والمعاد تدويرها لصنع أوراق الشجرة، واستخدام الزجاجات البنية لتشكيل الجذع الخاص بها. لكن بالتأكيد الفكرة وحدها ليست هي الأساس في الفنون البصرية، إذ يجب أن يصاحب الفكرة تنفيذ مبتكر، يضع المتفرج على المحك مع التساؤلات التي يطرحها الفنان، الأمر الذي لم توفق فيه الفنانة أفروديت السيسي، فجاء تنفيذها للعمل بعنوان "الشجرة" طفولياً ومسطحاً وخالياً من التأويلات والتساؤلات، وأقرب إلى الرسوم المدرسية، رغم أن خامة الزجاج المصهور تعتبر خامة شديدة المرونة ولها قدرة كبيرة في التشكل والتطويع، تبعاً لعمق فكرة الفنان وطريقة استخدامه لتقنية صهر الزجاج نفسها.
الجزء الأخير من المعرض خاص بالفنانة مليكة حسن، التي تعمل على تحويل المواد المهملة إلى منتجات ذات فوائد اقتصادية وبيئية، وتستخدم وسائل تصنيع فعالة لإحياء تراث المنتجات المصنوعة يدوياً، وتسعى إلى تصميم واختبار وعرض الاحتمالات الممكنة لاستخدام الخامات شديدة التحمل في تصميماتها، بالإضافة إلى الترويج للاهتمام بالطبيعة، واتباع أسلوب حياة أكثر مسؤولية تجاهها.
جاءت غالبية أعمال حسن المعروضة، باستخدامها لأخشاب الأشجار في صورتها الأولية، وحولت جذوع الأشجار إلى وحدات إضاءة مبتكرة، أو حاملات للطاولات الزجاجية ببقايا الأخشاب المهملة. لكن بالطبع لا يمكن إخفاء النزعة الديكورية أو التزيينية في أعمال حسن، لأن كل أعمالها المعروضة تحمل طابعاً وظيفياً، أو يمكن أن يؤدي دوراً ما في الحياة اليومية، الأمر الذي يصنع الفارق الجوهري بين الفن الذي صنع فقط لغرض جمالي أو هوياتي أو ليفجر التساؤلات لدى المتفرج، والقطع التي صنعت لغرض تجميلي فقط. لكن، في نهاية الأمر، تقوم أعمال الفنانات الأربع على الفكرة الرئيسية لإعادة التدوير، التي بدأها غاليري مشربية منذ أكثر من عام، بالرغم من اختلاف الأعمال جوهرياً وتقنياً.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها