الأربعاء 2018/09/26

آخر تحديث: 17:49 (بيروت)

حبيبة عمرو دياب لا تعجبهن!

الأربعاء 2018/09/26
حبيبة عمرو دياب لا تعجبهن!
increase حجم الخط decrease
أصبحت دينا الشربيني، منذ ارتباطها بعمرو دياب، واحدة من أشهر "التريندز" في مواقع التواصل الاجتماعي، ليس لشخصها، أو لاعتبارها الفني، بل فقط كونها حبيبة "الهضبة"، وأنه اختارها وهو مازال في ذروة مجده الفني، المستمر منذ عقود. والهجوم على دينا لم يبدأ بسبب فستانها الذي ارتدته في مهرجان الجونة السينمائي مؤخراً، بل قبل ذلك.


لم يرُق للجمهور، ارتباط دينا الشربيني بالهضبة. والأسباب كثيرة. انقسم مستخدمو السوشيال ميديا بين أقلية مؤيدة، وغالبية ترى أن دينا ليست المرأة المناسبة لدياب. وتعددت وجهات النظر لذلك الرفض، لكن السبب الأهم كان أن دينا ليست نجمة مشهورة جداً، ولا جميلة جداً بمقاييس الجمال الراسخة في الذهن المصري والعربي، وكانت غالبية التعليقات النسائية في سياق: "خدي حظ الوحشة"، أو "المخدة متشيلش إتنين حلوين".

هكذا، تستكثر غالبية النساء، عمرو دياب على دينا الشربيني، من منطق أنه يستحق من هي أجمل، بمقاييسهن طبعاً. وربما وقفن أمام المرايا ودققن النظر في أنفسهن، لعقد مقارنة بينهن وبين دينا، ترجّح كفّتهن، كونهن يرين في أنفسهن جمالاً معيارياً أكثر من الشربيني، قبل أن يبدأن في التحسر على أنفسهن.

منذ البداية، تبدو دينا مخالفة للنموذج الجمالي الذي تطمح الفتيات في الوصول إليه، فهي نحيفة القوام، غير ممتلئة الذراعين والساقين. لا يحمل جسدها تلك التكورات المثيرة التي تتجلى في رسوم الكاريكتير، عندما يقرر الرسام أن يشير إلى امرأة جميلة أو مرغوبة فيرسمها ممتلئة الردفين والثديين، ملساء الشعر، ممتلئة الشفتين. لكن هذه الصفات الجمالية الراسخة في الوجدان المصري والعربي، لا تتوافر في دينا الشربيني، بالإضافة إلى اعتيادها الظهور من دون ماكياج وبملابس بسيطة، بلا تكلف، بعكس غالبية الفنانات اللواتي لا يظهرن أبداً من دون هالة من الافتعال والتكلف في الشكل والمضمون.

ولا تظهر دينا الشربيني في اللقاءات أو البرامج، بمظهر الأنثى الرزينة المثيرة قليلة الكلام، بل تبدو أكثر انطلاقاً وطفولية وحرية مما يفترض أن يُنتظر من حبيبة "الهضبة"، الأمر الذي يجعل الجمهور يتعجب ويتساءل: "ما الذي أحبه عمرو دياب في دينا الشربيني، ووجده فيها ولم يجده في كل أنواع النساء الجميلات المبهرات من حوله؟".

لطالما علّمونا، نحن الفتيات، ومنذ الطفولة، أن الجمال هو أهم ما يميزنا، وهو سلاحنا الأوحد لتخطي العديد من الحواجز، وجني المكتسبات. ويعلموننا أن نبذل مجهوداً كبيراً لنصبح مناسبات تماماً للقالب الجمالي المتداول، وأننا يجب أن نكون مشتهَيات ومرغوبات وجميلات، كل الوقت، وأن نبذل الوقت والجهد كي نصل إلى القمة. لذلك، عندما ظهرت دينا بشكل مخالف للقالب النمطي، ولّدت كمّاً من التهكم والسخرية، دفعها مؤخراً إلى إغلاق خاصية التعليقات على صورها في حسابها الشخصي في "إنستغرام".

خالفت دينا، الصورة المتداولة، فلم تمثل المرأة المقولبة التي تنظر إلى كل الاحتمالات الأخرى في الحياة -باستثناء جمالها- نظرة ازدراء، وتعتبر نفسها الكرزة الجميلة فوق كعكة الحياة. لم تتعامل مع نفسها على أنها الجائزة الكبرى التي يجب أن تُمنح للرجل الأمثل في الذكورة والمال والمنصب. لم تشبه دينا، النموذج المعتاد للمرأة التي لا تستطيع أن تكون مهمة إلا بتبعيتها لرجل تثير به حقد الأخريات وغيرتهن، وتشعر من خلاله بالتقدير لنفسها ووجودها.

ربما لو كانت دينا الشربيني حبيبة شخص آخر، غير عمرو دياب، لكانت السخرية منها أقل. إذ فيما تبتعد دينا عن النموذج النسائي الراسخ، يمثّل عمرو دياب النموذج الأمثل للرجل. ينظر إليه الرجال والنساء، سواء بسواء، نظرات مختلفة، بين التعجب من قدرته على الصمود لعقود في وجه الزمن، وبين الرغبة في التشبه به، في ملابسه وهيئته الخارجية وطريقة تصفيف شعره، وهو الذي يعتبر منذ سنوات أيقونة بالنسبة إلى ملايين الشباب المصريين والعرب.

لكن يبدو أن القوالب النموذجية باتت في طريقها للتدمير. إذ أصبحت هناك تخمة عالمية وإنسانية، من المعايير والمقاييس الجمالية الرأسمالية، التي تحول المرأة إلى "فترينة" عرض متحركة، أو "مانوكان" خاضع للذوق العام. تلك المعايير التي تحول البشر بشكل عام إلى قطيع متشابه، يرتدي الماركات نفسها، ويأكل في المطاعم ذاتها، ويسعى إلى الشكل الجمالي الخارجي نفسه. وربما هذا هو بالضبط ما جذب النموذج (عمرو دياب) إلى ضده (دينا الشربيني)، ليرسخا معاً نموذجاً إنسانياً جديداً، لا سيما في الساحة الفنية المصرية والعربية. وهو نموذج يمكن أن يشكل بداية لإرساء قواعد جمالية مضادة، أكثر فردانية وحرية وتمرداً، أو لعلها قاعدة واحدة أكثر انفتاحاً تقول ببساطة أنه لا قاعدة ثابتة للجمال والحب.

في مقابل دينا الشربيني، تقف مقدمة البرامج رضوى الشربيني، التي تمثل أيقونة أنثوية ترغب الفتيات في التشبه بها، فهي ضمن النموذج الجمالي المعياري للمجتمع: بيضاء، ملفوفة القوام. جميلة، كما يصف كتّاب المجتمع الجمال. لكنها في الوقت نفسه، تقدم نفسها كداعمة للمرأة ضد الرجل. ففي غالبية الرسائل التي تقدمها من خلال برنامجها، تقول للمرأة: "نعم يمكنك العيش بمفردك، يمكنك ان تختاري البعد من الرجل. الرجل ليس ضرورياً في حياتك". تأكدت تلك الرسالة بوضوح في الفيديو الأشهر لها، عبر السوشيال ميديا مؤخراً، وقد تحدثت فيه عن إمكانية تفعيل خاصية "البلوك" في وسائل التواصل الاجتماعي، ضد أي رجل لا ترغب المرأة في وجوده داخل دائرتها الخاصة.

إذاً، تقدم رضوى نموذجاَ تتمناه كل فتاة، سواء من حيث الجمال المعياري، أو من حيث القدرة -ولو ظاهرياً- على التخلي عن وجود الرجل واستمرار الحياة من دونه. من هنا، ومن اسم العائلة المشترك بين النجمتين، ربما جاءت المقارنة بينهما، وجاء انحياز الفتيات والسيدات بشكل أكبر لرضوى، التي تقدم لهن رسالة قوة بما يستطعن فعله. على عكس دينا التي يعتبرن أنها لا تستحق أن تكون حبيبة الهضبة، وينظرن إليها باستنكار، لأنهن يدركن تماماً أنهن لن يستطعن أن يكُنَّ مكانها، وبالتالي يصبح الحل الأسهل لإرضاء ذواتهن، هو التقليل من شأن دينا، والتأكيد على عدم استحقاقها لما هي فيه من نعيم، لأنها ليست جميلة كفاية.

ربما يكون الأمر أبسط من كل تلك التعقيدات، لكن كل محاولة غير عادية تستحق التفكيك، وكل محاولة تغيير في المفاهيم الثابتة، وانفتاح على وعي أكثر للذات، تستحق النظر إليها من قرب. بالتأكيد ستنتهي تلك المقارنة الدائرة عبر السوشيال ميديا بعد وقت قريب، لكن كل فتاة بحاجة إلى البحث بجدية داخلها، عن رغباتها الأعمق، كي تجد الشكل الأصدق الذي ترغب أن تكون عليه، وهو الشكل الأقرب لها، وليس الأقرب لما يريده منها المجتمع.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها