السبت 2017/02/04

آخر تحديث: 02:09 (بيروت)

خورخي سامباولي وكرة القدم "اليسارية"

السبت 2017/02/04
خورخي سامباولي وكرة القدم "اليسارية"
استخدمت ملاعب كرة القدم معسكرات إعتقال في الأرجنتين (Getty)
increase حجم الخط decrease
فاجأ خورخي سامباولي، مدرب نادي إشبيلية لكرة القدم، الإسبان بإعلانه ميله إلى حزب بوديموس اليساري المتطرف، قائلاً: "أتموضع سياسياً في بوديموس. أرتبط بالناس، ومع المحتاج إلى مساعدة".

أثار موقف سامباولي ردود فعل متباينة في إسبانيا، إذ رحّب القيادي في بوديموس إينييغو إرّيخون بتصريحاته، معتبراً أنها "فخر". لكن آخرين انتقدوا المدرب الأرجنتيني، مذكرينه بأنه يتلقى من ناديه راتباً سنوياً يناهز 2.5 مليون يورو. وكتب أحدهم على موقع تويتر: "الكلام سهل حين يكون (المرء) مليونيراً. ليوزّع (ثروته) على الفقراء".

يُعتبر سامباولي من أبرز نجوم الدوري الإسباني هذا الموسم، إذ حقق إشبيلية أفضل مرحلة ذهاب في تاريخه في "ليغا". ولا يُخفي المدرب تطلعه إلى إحراز اللقب، علماً أنه كسر هذا الموسم هيمنة ثنائية ريـال مدريد وبرشلونة، ويقارعهما كما فعل أتلتيكو مدريد في السنوات الماضية، بعدما حقق نتائج باهرة مع منتخب تشيلي.

وروى سامباولي تجربته خلال شبابه في مناهضة الحكم الديكتاتوري في الأرجنتين (1976-1983)، وصدامه مع والده آنذاك، الموالي للطغمة العسكرية. واستدرك أن والدته كانت تؤدي دور الوسيط بينهما، إذ "تحمي ابنها وتقرّبه من والده الذي بدوره يحمي ابنه، في الحالات القصوى". وأشار إلى تماهيه الآن مع الحزب البيروني والرئيسة الأرجنتينية السابقة كريستينا كيرشنر، علماً أنها مُتهمة بالفساد. كما دافع عن "هوليغانز" إشبيلية المعروفين باسم بيريس نورتي، وينتمون إلى اليسار المتطرف.

ظاهرة سامباولي ليست معزولة، إذ يُعبّر عن مزاج كروي يساري أرجنتيني يمثله خورخي فالدانو وأنخيل كابا ودييغو مارادونا وآخرون، و"عرابهم" سيزار لويس مينوتي. لكن المفارقة أن الأخير قاد المنتخب إلى إحراز كأس العالم لكرة القدم، للمرة الأولى في تاريخه، عام 1978، في الأرجنتين التي استخدمت آنذاك ملاعب كرة القدم معسكرات اعتقال، كما استغل الحكام العسكريون هذا الإنجاز لتعزيز سطوتهم. لكن مينوتي يؤكد أنه كان يجهل الجرائم التي ارتكبها النظام.

هذه الكتيبة التي يقودها مينوتي بددت سنوات في التنظير العقيم، والقاء دروس كروية وأخلاقية، على مدربين ورؤساء أندية حققوا من الألقاب والنجاحات ما لا يحلم به هؤلاء الذين امتهنوا الإكثار في الكلام وقلة الفعل. فحين يحدثونك عن كرة القدم، تعتقد أنهم يلقون شعراً، إذ يشددون على اللعب الجميل والمهارات والفنيات، متجاهلين جوهر اللعبة، ويكمن في الاجتهاد والروح القتالية والفاعلية والانضباط التكتيكي، والأهم من كل ذلك، الفوز، لا الاكتفاء بعرض كروي ممتع، والخروج بنتيجة سلبية.

مينوتي الذي لا يكفّ عن إتحافنا بنظرياته الكروية، حقق أبرز إنجازاته بفوزه بمونديال 1978 الذي يُعتبر عاراً على اللعبة، ليس بسبب الديكتاتورية العسكرية فحسب، بل أيضاً لأن الأرجنتين لم تتأهل الى النهائي إلا بعد فوز مريب على البيرو 6-0، أقصى البرازيل ومازال يثير شكوكاً مشروعة.

ولم يفز فالدانو مدرباً، سوى بلقب في الدوري الإسباني مع ريـال مدريد عام 1995، وهو يعمل الآن معلقاً كروياً، مستغلاً قدراته البلاغية، التي جعلته يقول يوماً إن "كرة القدم الخلاقة يسارية، فيما أن كرة القدم التي تستند إلى القوة والوحشية، هي يمينية".

أما كابا الذي كان مساعداً لفالدانو في نادي العاصمة الإسبانية، فحقق لقبَين محليين في دوريَي البيرو وجنوب أفريقيا. والحديث عن مارادونا مدرباً لا يعدو كونه مزحة سمجة، بعدما كان لاعباً أسطورةً.

سواء أكانت كرة القدم يسارية أم يمينية، تبقى أنها في قلب السياسة والاجتماع، رغم أن بعضهم يرى أن تيارات سياسية يسارية تصف اللعبة بأنها "أفيون الشعوب"، إذ تضيق أفق المشجعين وتبدد المال في صناعة بلا قيمة. لكن المنظر الماركسي الإيطالي أنطونيو غرامشي اعتبر أن "كرة القدم هي مملكة للحرية الإنسانية، تُمارَس في العراء".

يُشدد كارلوس تورو، وهو إعلامي مخضرم في صحيفة إلموندو الإسبانية، على علاقة وثيقة بين السياسة والرياضة، قائلاً إن "عبارة الامتناع عن ربط المسألتين ليست واقعية، إذ إنها غبية وخاطئة: الأمران مرتبطان لأن كل شيء في الحياة سياسي". واستدرك أن هذا الربط يجب ألا يكون بالضرورة سلبياً.

وكان البروفيسور بول كريستيسن أشار في كتابه "الرياضة والديموقراطية في العالم القديم والحديث"، إلى علاقة بين المشاركة الكثيفة في الرياضة في ملاعب إنكلترا في القرن التاسع عشر، ومنح الطبقة الوسطى حقوقها السياسية.

كتب رامون تورّاس هوغيت في صحيفة إلموندو ديبورتيفو الرياضية الإسبانية عام 1923، ما قد تكون أول إشارة في الصحافة الإسبانية مطلع القرن العشرين، إلى العلاقة بين الرياضة والسياسة، منبّهاً إلى أن "كرة القدم ستتحوّل مع الوقت سلاحاً سياسياً".
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها