الإثنين 2016/12/19

آخر تحديث: 10:49 (بيروت)

هل يتخلى غوارديولا عن تفوقه الأخلاقي؟

الإثنين 2016/12/19
هل يتخلى غوارديولا عن تفوقه الأخلاقي؟
اعتبر كثيرون أن أسلوب لعب غوارديولا هو وحده ما يجب اعتباره كرة قدم (Getty)
increase حجم الخط decrease
حسناً فعل المدرب الإسباني جوزيب غوارديولا عندما أقر، أخيراً، بأن عليه "التكيّف" مع كرة القدم الإنكليزية. لكن الدهشة في هذا الصدد لن تكون مستغربة، إذ إن المرء ينتظر من مدرب في مكانة غوارديولا أن يدرك مسألة التكيف قبل أن تطأ قدماه إنكلترا ويُشرف على تدريب مانشستر سيتي.

ورغم أن كرة القدم لعبة عالمية، لكنها تتميّز بخصائص محلية فاقعة، تُسبِغ عليها هوية مختلفة في كل بلد، حيث تتأثر بثقافة سكانه وطبائعهم. لا يُخفى على أحد أن كرة القدم الإنكليزية تختلف عن نظيرتها في إسبانيا أو إيطاليا مثلاً. بل أن كتيبة المدربين الأجانب في البريمير ليغ، وبعضهم من الأفضل في العالم، وإن لوّنوا البطولة بأسلوبهم الخاص، سعوا دوماً إلى ابتكار مزيج يجمع بين رؤيتهم للعبة، وبين الهوية الشديدة الخصوصية للكرة الإنكليزية.

لا يعني ذلك التغافل عن التطوّر الذي أدخله هؤلاء، ولاسيّما الفرنسي أرسين فينغر الذي أحدث "ثورة" حقيقية في أرسنال، وإن خبا وهجها في السنوات الماضية. لكن فينغر يُدرك، مثل مدربين آخرين، بينهم البرتغالي جوزيه مورينيو والإيطالي أنطونيو كونتي والألماني يورغن كلوب والأرجنتيني ماوريسيو بوكيتينو، أنه سيفشل حتماً إذا سعى إلى تجاهل مميزات الكرة الإنكليزية، المتمثلة في القوة البدنية، الإلتحامات، الروح القتالية، الكرات الهوائية، التمريرات الطويلة والألعاب الرأسية..

سخر غوارديولا من صحافي سأله عن فعل التصدي للاعب المنافس (Tackle)، سائلاً: "ما هو التاكل؟"، علماً أن مانشستر سيتي كان فشل في أداء أي تاكل، خلال الدقائق 35 الأولى من مباراته ضد ليستر سيتي مؤخراً. أضاف: "لست مدرب تاكلات، ولا أدرّب اللاعبين عليها. ما أريده هو محاولة تقديم أداء جيد وتسجيل أهداف، والوصول أكثر إلى مرمى الخصم".

لن يكون المرء ساذجاً ليصدّق سؤال المدرب الإسباني، بعدما أصعد لاعباً من طراز سيرجيو بوسكيتس إلى الفريق الأول في برشلونة، وجهِد لضمّ شابي ألونسو إلى بايرن ميونيخ من ريال مدريد، حين كان يدرّب النادي الألماني. ولاعبا الإرتكاز الإسبانيان هذان، خصوصاً ألونسو الذي لعب أيضاً في ليفربول الإنكليزي، يجيدان فنّ الـTackle.

من حقّ غوارديولا أن يدافع عن أسلوبه في اللعب، مذكراً أنه مكّنه من حصد 21 لقباً خلال مسيرته، بينها 14 مع برشلونة في غضون 4 مواسم. لكن يبدو أن مصلحته تحتم عليه التخلّى عن "تفوّقه الأخلاقي" الذي يرافقه منذ موسمه الأول في برشلونة، حتى لو قدّم "لعباً جميلاً" يعتمد على الاستحواذ، التمريرات القصيرة والسريعة، الضغط على لاعبي الفريق المنافس. فكل هذا يبدو اليوم خارج سياقه الإنكليزي المستجد.

سَحر أسلوب برشلونة الجميع، وتبارى كثيرون، من مدربين ولاعبين وإعلاميين، في إسبانيا وخارجها، في "التنظير" بأن هذا الأسلوب هو وحده ما يجب اعتباره كرة قدم، داعين غريمه التقليدي ريال مدريد إلى تبنّيه. ما جسّد يومها فكراً أوحد وإقصائياً يعكس ضيق أفق المروّجين له.

لكن كل هذا أصبح من الماضي، إذ يواجه غوارديولا اليوم التحدي الأبرز في مسيرته التدريبية الناجحة، والذي يحتم عليه مراجعة حساباته وتكييف نفسه مع الكرة الإنكليزية، و"إعادة اختراع" منتجه، بحيث يصلح لتسويقه في بريطانيا، مع احترام المبادئ الأساسية لأسلوبه في اللعب، خصوصاً أنه يلعب الآن من دون لاعب خارق مثل الأرجنتيني ليونيل ميسي. يتحقّق ذلك من خلال التوصّل إلى تشكيلة منسجمة قادرة على مزج أسلوبه بالكرة الإنكليزية، وتخفيف هوسه بالاستحواذ على الكرة، لمصلحة اللعب الفعّال، والتخلّي عن إبتكارات قد تضرّ الفريق، مثل تحويل الظهير الأيمن الأرجنتيني بابلو زاباليتا إلى لاعب وسط، كما فعل مع فيليب لام في بايرن ميونيخ.

يظلم المرء غوارديولا، إذا لم يعترف بأنه يواجه مهمة صعبة في مانشستر سيتي، إذ إن أي مغامرة جديدة، لأيّ مدرب، في أي نادٍ، تحتاج إلى وقت لتنضج وتثمر. كما أن سيتي "ابتُلِي" بمدربَين، التشيلي مانويل بيلليغريني والإيطالي روبرتو مانشيني، فشلا في منح النادي هوية خاصة وفي إعداد فريق قادر على المنافسة، خصوصاً في دوري الأبطال الأوروبي، رغم مليارات الدولارات التي أُنفِقت في غضون سنوات قليلة.

لكن للصبر حدوداً في كرة القدم، ويدرك غوارديولا أنه مُطالَب أيضاً بتحقيق نتائج سريعة، إذ كان واضحاً في الإقرار بأنه لا يستبعد إقالته، إذا فشل في إنجاز المهمة الموكلة إليه، علماً أن إدارة النادي طاردته منذ سنوات، لثقتها في قدرته على تحقيق ما عجز عنه بيلليغريني ومانشيني، وبالارتقاء بالفريق إلى مستوى آخر. الكرة في ملعب غوارديولا، لنتبيّن هل صحيح أن لا وجود لـ"برشلونة غوارديولا"، بل لـ"برشلونة ميسي"؟
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها