الثلاثاء 2014/12/09

آخر تحديث: 15:15 (بيروت)

أن تكون مثلياً مصرياً

الثلاثاء 2014/12/09
أن تكون مثلياً مصرياً
"محاكمة" مثليين في مصر في الشهر الماضي (Getty)
increase حجم الخط decrease
أول أمس، عند حوالي العاشرة مساءاً، قُبض على أربعين شخصاً من مختلف الأعمار في حمام عام في قلب القاهرة بمنطقة رمسيس، بوشاية من مذيعة تلفزيونيّة تدعى منى عراقي. تم سحب هؤلاء عراة بعد ضرب بعضهم في الداخل، أمام كاميرا موبايل العراقي وكاميرات برنامجها، وقد سارعت الأخيرة إلى إعلان سبقها الصحفي/ الأمني على صفحتها في "فيسبوك". غالب الظن ستوجه إلى هؤلاء تهم الفعل الفاضح وممارسة الرذيلة وتهمة الفجور التي وضعت بعد حادثة "كوين-بوت" الشهيرة في العام 2001، حين ألقت الشرطة القبض على 52 شخصاً في مركب عائم.


قبلها بأيام، قابلت عُمر (اسم مستعار- 24 سنة)، وحسام (اسم مستعار- 20 سنة). شابان مثليان سألتهما عما يعنيه أن يكون المرء مثلياً في مصر، فرد عُمر "انه شيء صعب جداً، لكنه ليس بالصعوبة التي يظنها الناس". حسام أجاب بكلمة واحدة: "الإهانة". أظن أن إجابة عُمر ربما تكون قد تغيّرت الآن بعد رؤية حماسة ولهفة السيدة منى عراقي.

هناك أزمة حقيقيّة في المجالين العام والخاص في مصر. المجال العام صودر وأغلق لأسباب اقتصاديّة وسياسيّة وأمنية، بالإضافة إلى العنف الاجتماعي والطبقي، حيث أنه في اليوم التالي على حادثة الحمام العام، قفزت فتاة في النيل هرباً من متحرش يطاردها بحسب أقوال الشهود الواقفين حينها، وماتت غرقاً أمام أعين الناس. لم يتبق للمواطن المصري سوى التوجه إلى الأماكن الخاصة وشبه الخاصة ليمارس فيها حدود حريته وإنسانيته، لكنه يطارد أيضاً عبر كاميرات متحمسة للفضيحة، وعبر الحاجة إلى نصر سياسي ورغبة إنتقامية في فرض أخلاقيات لا يطبقها أحد. وذلك تحت أعين "الكل" التي تراقب وتحاسب وتحكم وتنفذ عقابها.

يشرح عُمر أن الأمر يعتمد على المستوى الاجتماعي، الذي كلما ارتفع كانت الحياة أسهل بالنسبة للشخص المثلي. ففي المناطق الريفيّة يتعرض المثليون لنظرات أقل، لأن الناس هناك يخافون الشخص الذي يبدو غنياً لأنه ربما يكون قادراً على إيذائهم. أما حسام فيشرح كلمته، الإهانة- وهي تمثلت بشكل كامل في صورة العراقي، بنظراتها الساديّة إلى رجال منكسي الرؤوس وعراة ومضروبين- بأنه عندما صارح صديقه الأقرب إليه بمثليته، أسف الأخير لذلك. هذا الموقف يُشعر حسام بالإهانة، وهو يقول إنّ كونه مثلياً فهو شيء طبيعي، بل وجوده يضفي تنوعاً وحيويّة.

لا ينجو المختلف في مصر من مصير العنف. يحكي عُمر، الذي له بعض الملامح الأنثوية من حيث قصة الشعر والملبس وطريقة الكلام والسير، أنه يتم دائماً توقيفه في اللجان وتفتيشه، بل وتم التحرش به جسدياً مرتين أثناء التفتيش، حيث بكى في إحداها. يعتبر عُمر أن المكان الأسوأ هو الشارع حيث يتم باستمرار التهجم والتهكم عليه، ووصل الأمر إلى حد تعرضه للضرب العنيف في احدى المرات، وللرمي بالحجارة في أخرى. ينجو حسام من هذا المصير ربما لعدم وضوح مظاهر الاختلاف عليه. لكن هذا ما جعل من شخصيته مزدوجة تتكيّف على أساس من يتعامل معه حتى لا ينفر منه أو يكرهه، ولذا عنده حياتان، احداها حياته كشخص غيري، وأخرى كمثلي. ويضيف في مرارة أنه ليس من الضروري عندما تقابل شخصاً مثلياً أن تفكر في جنسانيته أو ما يفعله في السرير، فهذا بالنسبة له أمر غريب.

ونتيجة العنف القانوني والمجتمعي والأهلي والعائلي الذكوري في الثقافة المصرية والعربية عموماً، يستبطن في أحيان كثيرة المثلي هذا العنف ويوجهه ناحية نفسه. يقول عُمر أنه متصالح تماماً مع نفسه. لكنه يضيف أنه أمر نادر الحدوث في مجتمع المثليين، فصديق المثلي غير متصالح مع ذاته، وقد يقطع معرفته به بعدما يصارحه بمثليّته. أما حسام فيقول إن الأمر لم يكن سهلاً عليه، إذ كان يبكي على ما هو فيه وكره كونه مختلفاً عمن حوله، وهو يفتقر إلى الثقة بالنفس وحب الذات ويتطلع دوماً أن يحبه الناس، ويخاف بشدّه أن يخيّب أمل والدته، رغم اعتقاده بأنها تعرف مثليّته، لكنه يخاف أيضاً من أن يُرغم على الزواج. ويشير عُمر إلى أن زواج مثلية من مثلي، أمر شائع، كي يحافظا على صورتيهما الاجتماعية، وحتى يحظيا بأطفال، وكل طرف منهما يفعل ما يريده في السر.

دوماً في السر. ما يريد أن يفعله الفرد من دون إيذاء أحد يفعله في السر. تحول المجتمع المصري إلى مجتمع محافظ، يهاجم من يختلف على المستوى الرسمي العام الظاهر، لكنه يفعل ما يحلو له في الخفاء. وتتكون مجتمعات منغلقة سريّة تأخذ عيوب المجتمع الكبير وتضيف اليها. يقول عُمر أن الكثير من الناس يعتقدون بأن المثليين غير موجودين، فوالدته مثلاً تظن أن المثليّة أمر غربي ليس موجوداً في مصر. ويرى عُمر أن المجتمع المثلي في مصر لا يختلف كثيراً في تركيبته عن أي مجتمع مثلي في أي بلد آخر، لكن الفرق الجوهري أن المثلي في مصر غير قادر على إقامة علاقات عاطفية مستقرة وطويلة المدى، لأن الاختيارات تقل بطبيعة الحال، نظرا لطبيعة المجتمع، والقوانين، والحياة التمييزيّة للمثليين. ويضيف أنه يُنتج أيضاً فهم خاطئ لدى بعض المثليين – يراه نوعاً من أذى الذات- بإهمالهم مستقبلهم الدراسي أو المهني، والتركيز على الغرق في الحياة الخاصة، وهو ما يقل كثيراً في المجتمعات المثليّة في أماكن أخرى أكثر إنفتاحاً، لأن هناك قبولاً لهم في المجتمع العام، مما يسهل قبولهم لذاتهم والتركيز على تنميتها وتطويرها.

ربما تكون جملة عُمر الأخيرة ذات معنى في الوقت الحالي أكثر من أي وقت آخر. يقول عُمر: "نحن في كل مكان، من الممكن أن أكون أخاك أو ابنك، إذا تعاملت بعنصريّة معنا فربما يطال هذا التمييز أخاك وابنك". ولعل العراقي تدرك ذات يوم أنه كان من الممكن أن تأتي لحظة وتُضرب في الشارع لأنها لا ترتدي الحجاب. أو تتعطل سيارتها فتقفز في النيل هرباً من مريض يراها مباحة له لأنها مختلفة في ملبسها. الاختلاف في مصر أصبح سبباً من أسباب الإهانة والموت، وهي مُشاركة في جعله كذلك.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها