الإثنين 2014/11/24

آخر تحديث: 14:51 (بيروت)

أن تكون عاشقاً في القاهرة..

الإثنين 2014/11/24
أن تكون عاشقاً في القاهرة..
الخوف، الازدحام، التديّن، التحرش.. كلها تقتل الحب
increase حجم الخط decrease

"العالم ماله؟ العالم وج، قال كلت حبيبك؟ كلته يا حاج، ويا حبيبي كان طعمك فج!" هكذا قال شاعر العاميّة المصريّة فؤاد حداد في أحدى قصائده التي لحنها وغناها سيد مكّاوي. ما الذي جعل الشاعر يقول هذا الكلام الصادم: الإلتهام ومن ثم القرف من المحبوب؟ وما مدى صدق هذا بالعلاقات في القاهرة، وما مدى تأثير المدينة فيها؟

سألنا حازم المصري، الذي يعمل كمنفذ إداري في شركة لتنظيم معارض، ولديه صفحة في "فايسبوك" تهتم بشؤون الرجل، فأجاب أن هناك تأثيراً لوضع القاهرة الحالي في العلاقات، فلو كان الطرف الآخر يعيش في مكان بعيد نسبياً، فهذا يعني معاناة شديدة في محاولة المواظبة على اللقاء، خصوصاً تحت ضغط المواعيد والإنشغالات اليومية. ويضيف حازم أن القاهرة كمدينة لا تحترم المساحة والخصوصيّة الشخصيّة، الواحد منا ليس على طبيعته في تعامله مع الطرف الآخر. ويشير إلى ندرة وصعوبة الحصول على مساحة خاصة، ما يجعل أنشطة كثيرة من المفترض أن يفعلها اثنين في علاقة، تجعلها أكثر حميمية، لا تحدث، مثل مشاهدة فيلم أو الطبخ سوياً، أو النوم وممارسة الحب. 

هبة خطّاب، مهندسة برمجيات ومدوّنة تهتم بالشؤون الإجتماعيّة، تتفق مع حازم في أن أول عقبة تواجه العلاقات في القاهرة هي الازدحام الذي يستنفذ الوقت، ويجعل العلاقات داخل القاهرة تبدو وكأنها علاقات من بُعد. وتؤكد أيضاً على جزئيّة الخوف التي خلقتها معدلات التحرش والإنتهاك في القاهرة عند الفتاة، وتضيف أن فكرة التدين المنتشرة، والتي تحتقر العلاقات، وتجعل بداياتها محفوفة بالصعوبة، جعلت الفتاة تخاف من الانفتاح فى العلاقة لأسباب أخلاقية أو دينية، أو حتى خوفها من نظرة الطرف الآخر لها. هذا غير مراقبة الناس وتحفزهم، واحتقارهم لأي أثنين تتاشبك أيديهما، واعتبار أي تجمع من الجنسين شبه انحلال، وهذا ما يقلل الاماكن المناسبة للقاء، ويجعلها تنحصر في النهاية في الكافيهات أو البارات غالباً، والتي يفضل أن تكون باهظة الأسعار حتى تقل نسبة المضايقات، ما يجعل للأمر بُعداً طبقياً، بحسب هبة.

الكآبة، الإنغلاق السلوكي والفكري، القلق والخوف (من نظرات الناس أو رؤية قريب لها، تجربة جديدة أو مغايرة)، مآخذ ثلاثة يراها حازم في الفتاة القاهرية، ويراهم بعضهما نتيجة للبعض الآخر. فالفتاة القاهرية كئيبة لأنها منغلقة، ومنغلقة لأنها خائفة. لكنه يرى أن لتلك المشاكل أسبابها المنطقيّة. فالأنثى في القاهرة، وهي تمشي في الشارع، تتلقى عروضاً جنسية طوال الوقت، ويتم التحرش بها بكثافة، وتعيش في مدينة لا تحترم الناس، فهي كائن يتعرض لقهر يومي ولا يعرف كيف يأخذ حقه ولا أحد يحترمه، هذا يجعلها تشعر بالمهانة.

من ناحية أخرى، ترى هبة أن الشبان عندهم خوف عام من الإلتزام، سببه الرئيس، كما تراه، صعوبة تجربة الزواج، ليس فقط على الطرفين، بل على عائلتين كاملتين، مع تحريم العلاقات خارج إطار الزواج ووصمها، والصعوبة النفسية للطلاق على الطرفين والمُحيطين. كما يوجد عند الشاب حذر واحتقار للمرأة ونزعة ذكورية بسبب الموروث الثقافي والديني، وازدواجية ما بين أن يُحلّ لنفسه الدخول في علاقة، يحرّمها علي قريباته، وعدم معرفة كيفية احترام شريكته، أو احترام نجاحها، بل والغيرة منها، ومحاولة السيطرة عليها من طريق العنف، بسبب قلة الثقة فى النفس (وفي الشريكة لأنه يعتبرها ملكيّة له). وهذا ما تردّه هبة إلى التربية التي تمجد الذكر من دون سبب حقيقي، فيحدث نوع من الخذلان حين يحتك الشاب بالمجتمع الكبير، ويعرف أنه ليس كافياً أن يكون ذكراً كي يكون إنساناً له قيمة.

يعتقد حازم وهبة أن نسبة نجاح العلاقات العاطفيّة ضئيلة في القاهرة، ويرى أن السبب الرئيس في ذلك أن طرفي العلاقة لا يعرفان بعضهما البعض بشكل حقيقي، لأنهما لا يعيشان سوياً، فيكوّن كل من الطرفين خيالات عن الآخر ويجد في النهاية أنها غير موجودة، ما يُحدث صدمة. فالعلاقة القاهريّة، كما يراها حازم، معظمها متخيّل.. عبر الرسائل والدردشة texting أو حتى ممارسة الجنس التي تكون عبر الكتابة، وهذا ما باتت له كلمة: Sexting. كما يرى أن قبح عناصر المدينة البصريّة والصوتيّة والبيئيّة ينعكس على طرفي العلاقة فيصبحان شخصين أسوأ والعلاقة بينهما متدهورة وعصبية.

تحكي ن. ف. (30 عاماً)، عن تجربتها في العلاقات في القاهرة، فتقول: "لن تجد مكاناً يضمك، والشرطة ستطاردك والمواطنون الشرفاء، وستشعر بالإهانة حتى في محاولات تفادي المواقف المحرجة أو الخطر. أحببت شخصاً كنت أحتاج فقط أن أقترب منه من دون أن نتكلم، كنت أريده بجانبي فحسب. سافرنا بعد منتصف الليل إلى مدينة الاسكندرية حتى نجلس على البحر ساعة ونرجع، جلسنا متجاويرن ربع ساعة، حتى فوجئنا خلفنا بشاب يحمل مطواة يريد مالنا. أحببت شاباً آخر مسيحياً، وكنت في كل الاماكن وعند عبور الكمائن خائفة أن يطلب أحد أن يرى بطاقتي الهوية، ويرغب في أن يهيننا، لأننا لن نعرف أن نقول له أننا خطيبان مثلاً، وحتى لو كان مسلماً ونحن مخطوبان أو متزوجان، فسيقول "حبوا بعض في بيتكم. لو لكم بيت". والبيت في القاهرة إما سرّ، أي مكان سرّي يُستعار، أو عائلتان وأموال كثيرة وألف أنف محشور في أموركم. العشق كفاح ليس في القاهرة فقط، لكن في مصر كلها، هذا في حالة أنك وجدت من يستحق أن يُعشق وسط زحام الأمراض النفسية واختلاط المفاهيم والذكورية والازدواجية العنيفة التي لا أعتقد أن بلداً في العالم ينتجها بمقدار ما تنتجها القاهرة".

الطبيب النفسي وإستشاري العلاقات، خليل فاضل، يقول عن تجربة الحب في مدينة القاهرة: "القاهرة متفردة بجمالياتها الخاصة ومساحاتها الحميمة، لكن اكتظاظها السكاني يجعل مساحة العشق أصغر ويسمح للبصاصين بأن يتلصصوا على العشاق في حسد ورغبة في إفساد اللحظة عليهم. في كل الأزمنة وكل الأحوال كان المحبون يحاولون الهروب من عين القاهرة الكبيرة إلى أزقة أو صحراء الهرم المتاخمة أو إلى عربة أو إلى إحدى الكافيهات الجديدة المنتشرة والتي تسمح بالاقتراب، وتقتصر على رؤية النادل وبعض المرتادين". ويكمل فاضل: "إحساس العشاق بالقاهرة يحمل الأضداد بين جوانحه، مزيج من الخوف والجرأة، حمل هم المواصلات وسوء الطريق، غلاء الأسعار والمدّ الديني المحافظ الذي يضغط على أدمغة العشاق وعلى صدورهم فلا لحظة صفاء إلا نادراً. بعضهم بدأ العشق مبكرًا عبر الموبايل أو الانترنت، ثم واصله لحمًا ودمًا، وعندما يترك الأحبة بعضهم يكون شوقهم محدودًا، فالقاهرة تضغط عليهم بمشاكلها الخاصة. يعاني القاهريون من مشاكل الضغط والإجهاد، ما يؤثر في علاقاتهم العاطفية، ويجعلهم بين فكي رحى: الاسترخاء مع الحبيب أو سرعة الاحساس بالملل والضجر والرغبة في التملص عند البعض، وهذا ما يتسبب في تشابك العلاقات وتعددها حتى بين المتزوجين، الذين – بعدئذ – ينتابهم شعور مضخم بالذنب، يؤدي إلى إنهاء قصة الحب مبكرًا، ما يولد شعورًا بالحنين إلى استرجاع العلاقة... تضغط القاهرة على محتوى العشق بما يتلقاه الحبيبان من تأثيرات جمَّة تأتي عبر الحواس الخمس، فيظل هذا الضغط مستمرًا باستمرار القاهرة في تعقيداتها وفي مشاكلها".

... لا شيء يظهر قلب المدينة مثل مناقشة أحوال الحب والعشق فيها، ويظهر أبعادها السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة والثقافيّة، بل وحتى التخطيطيّة والعمرانيّة. فالحب نوع من العلاقات الإنسانيّة يتميز عن بقية الأنواع بأنه علاقة شديدة الفرديّة وشديدة القرب، ما يجعله يحتاج أكثر للخصوصيّة وإلبنيّة التحتيّة والماديّة والثقافيّة، تحمله وتهدهده وتنمّيه، حتى لا يتحول الأفراد داخل تلك المدينة إلى آكلي لحوم بشر، يأكلون ويبصقون بعضهم البعض في تقزز وقرف، في مشهد أبوكالبتيكي مرعب.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها