الجمعة 2015/09/11

آخر تحديث: 07:04 (بيروت)

روسيا التي تصنع أعداءها

الجمعة 2015/09/11
increase حجم الخط decrease

كُتب الكثير عن مساعدة (النظام) الروسي لـ (النظام) السوري خلال السنوات الأربع الأخيرة، ودعمه اللا محدود سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، وتمسّكه ببقاء الرئيس بشار الأسد وتماسُك سلطته واستمراره حاكماً حتى لو على هكتار واحد من الأرض، وتبين بذلك مدى استخفاف السلطة الروسية بالشعب السوري وخياراته ومستقبله، وأثبتت هذه السلطة بما لا يدع مجالاً للشك بأن الأخلاق والقيم الإنسانية لا تلعب أي دور في رسم سياستها، وأن (النظام) الروسي الحالي مستعد للتورط بدعم حروب تؤدي لمآسي ودمار وخراب ومذابح من أجل تسيير مصالحه الاستراتيجية، الجماعية منها والفردية.

دعمت السلطة الروسية النظام السوري بالأسلحة والأموال والـ (فيتويات) وأطالت في عمره، وزادت من شراسته، ما أدى لقتل مئات آلاف السوريين وتشريد الملايين منهم، وساهمت بسياستها إلى إيصال الأزمة السورية إلى درجة بالغة التعقيد والسوء، وكان لها دور كبير في تحويل أحلام السوريين في الحرية والكرامة إلى واقع كارثي على سورية والدول المحيطة وعلى العالم العربي وأوربا، وحتى على روسيا نفسها.

كل هذا أكسب روسيا خلال أربع سنوات عداوة الشعب السوري، وباتت بالنسبة للملايين شريكاً للسلطة السورية وطرفاً عدواً، وبغض النظر عن مواقف الدول العربية من روسيا كدولة، إلا أنها دون شك خسرت بسياستها المتحيزة تجاه الأزمة السورية صداقة الشعوب العربية، وفقدت ثقة العرب بها، وهي في طريقها لخسارة أي مستقبل مقبول لها في المنطقة.

تؤكد الوقائع والأحداث في سورية أن روسيا بدأت مستوى جديداً من دعم النظام السوري، فهي أرسلت مؤخراً المزيد من الأسلحة المتطورة، كما أرسلت طائرات تدريب حربية يمكن تحويلها لطائرات هجومية، واستولت على مطار زراعي في طرطوس لتستخدمه كعسكري، وتقاسمت مطار اللاذقية الدولي وبدأت بتوسيعه، كما أرسلت جنوداً وضباطاً، مقاتلين وخبراء، ولم يعد الأمر قابلاً للإخفاء.

لم تتحرك الولايات المتحدة ، وأعلنت أنها "تراقب عن كثب" وحذّرت من النتائج دون أن تقف بوجه المعطيات، وبما أن موقفها هكذا، يمكن الجزم بأن أوروبا والدول العربية ستقف صامتة دون أن يكون بيدها شيئاً لتعمله في مواجهة هذا (الغزو) باستثناء قلق الأمين العام لحلف شمال الأطلسي.

 من منطلق المصالح الدولية، ومن اعتبار أن السياسة لا تهتم بالأخلاق كثيراً، يمكن فهم بيع روسيا أسلحة للنظام السوري ومساندته سياسياً واقتصادياً لقتل شعبه، كما يمكن فهم أسباب غض نظرها عن المذابح ودفاعها عن النظام في قضية السلاح الكيماوي، أو أن تستمر بإرسال صواريخ لنظام ليس له أي وظيفة الآن سوى قتل المزيد من المدنيين، أو أن يوجد مرتزقة روس بين ميليشيات النظام المنفلتة، وكذلك يمكن فهم سخرية روسيا من المعارضة السورية ولعب الـ (ثلاث ورقات) معها، والتنصل من وعودها لها، أما أن يطأ جندي روسي أرضاً سورية فهذا شيء آخر.

من حق روسيا كدولة أن ترسم بسياساتها وفق ما تمليه عليها مصالحها، ومن حقها أن تنافس الولايات المتحدة، وهي حرة في أن تدعم النظام السوري أو غيره من الأنظمة الشمولية، رغم لا أخلاقية العملية، لكن في نفس الوقت من حق السوريين أيضاً أن يدافعوا عن وجودهم وحلمهم، ويتصدوا بكل الوسائل لمن يقف عائقاً أمام تحقيق هذا الحلم.

  لم تفعلها الولايات المتحدة ولا أوروبا، ولم تفعلها تركيا ولا السعودية، وحتى إيران التي دعمت النظام السوري حتى الموت لم تجرؤ على إعلان وجود جندي إيراني واحد في سورية، وأبسط تحليل سياسي يؤكد أن من يدخل سورية سيعلق في مستنقعها، وسيخسر أكثر مما يتوقع، لأنه سيصبح جزءاً من آلة الموت التي تطحن من يلامسها.

لاشك أن روسيا تحاول من خلال تدخلها العسكري المباشر مساعدة النظام الذي تراجع عسكرياً ولم يعد يسيطر إلا على 20% من سورية، على أمل أن تستطيع إنقاذه من مصير محتوم، وأن تُقنع بـ (العصا) بعض المعارضين على تغيير مواقفهم، وبكل الأحوال فإن تدخلها هذا هو مؤشر على فشل وهزيمة النظام السوري وإيران والميليشيات العراقية وميليشيات حزب الله التي تدعمه بلا حدود.

(النظام) الروسي الجديد الذي نشأ من تزاوج المافيات الروسية والـ (شبيحة) مع الفساد الإداري وبقايا الفكر الشمولي، لا يختلف كثيراً عن النظام في سورية، وهو كما يبدو لم يتعلم من دروس النظام السوفييتي في أفغانستان وغيرها، التي أكدت أن الاعتداء على شعب يعني الهزيمة حتماً وإن طال الزمن.

بدخول أول جندي روسي بسلاحه إلى سورية ليقتل سورياً، باتت روسيا خطراً على الشعب السوري، وباتت من وجهة نظر السوريين قوة احتلال أجنبية، دخلت إلى سورية لحماية النظام وتثبيت ركائزه، ولدعمه في حربه ضد الحرية، ولقتل المزيد من الشعب المسكين، ولا يرى الشعب السوري خطأ في قرع طبول الحرب ضدها، وربما سيستخدم كل الوسائل لطرد هذا الاحتلال.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب