الجمعة 2016/07/29

آخر تحديث: 13:55 (بيروت)

هل يتعلم العرب!

الجمعة 2016/07/29
increase حجم الخط decrease

تتعلم الشعوب من تجاربها، وبالطبع من تجارب غيرها، وتتجنب السيء وتأخذ المفيد، وتستفيد من دروس التاريخ لتشكيل مجتمعاتها، وتمتين الروابط بين أفرادها، وتحسين قِيَمها، وتركيب مستقبلها، وبائسة تلك الشعوب التي لا تتعلم من أخطاء غيرها لتطوير فنون الحكم فيها بما يضمن حريتها واستقلالها وكرامتها ورفاهها.

كثيرة هي تجارب الأمم الراهنة التي يمكن أن يستفيد العرب منها، وكثيرة هي العِبر التي يجب استخلاصها، والدروس التي يجب التقاطها لتطوير واقع عربي رثٍّ لا يُبشّر بالشيء الكثير، سواء على الصعيد السياسي أم الاقتصادي أو حتى الاجتماعي.

يعتبر الانقلاب في تركيا واحداً من تلك الأحداث التي تحمل (دزينة) من الدروس التي يمكن للشعوب العربية الاستفادة منها، فرغم أن الانقلاب عسكري عنفي، إلا أن الجيش أوقف آلته الحربية عندما شعر باحتمال فشله، ورفض إطلاق النيران على الشعب، وفي بعض الأحيان صف إلى جانبه، ليُقدّم درساً حول طريقة بناء الجيوش الوطنية التي تحمي الدولة لا النظام، وتحرص على الشعب ولا تقصفه بالطيران والصواريخ.

في التجربة الانقلابية التركية نفسها، قررت كافة قوى وأحزاب المعارضة السياسية التركية الوقوف ضد الانقلاب، رغم الخلافات العميقة بينها وبين الحزب الحاكم، لتُقدّم درساً للسياسيين العرب بأن جماية الديمقراطية أهم ألف مرة من التآمر مع العسكر، وأن الدول تُبنى بالتعددية والتشاركية لا بالقوة والبطش والعسكر.

وفي نفس هذه التجربة أيضاً، قررت السلطات إعلان حالة الطوارئ ثلاثة أشهر، ووعدت بتخفيضها لشهر، رغم الحالة القلقة التي تعيشها الدولة والمؤسسة العسكرية والأمنية التركية، لتُقدّم درساً للحكام وللكثير من الشعوب العربية بأن حالة الطوارئ أمر استثنائي مؤقت لا يصلح إلا لظرف خاص وزمن محدد، ولا يمكن أن يكون قاعدة، ويمتد لعقود كما امتد في سورية وغيرها من الدول العربية ذات الأنظمة الشمولية.

بعيداً عن التجربة التركية الانقلابية، وفي وسط القارة العجوز، ضرب الإرهاب وأدمى، وحرّكت التنظيمات الإرهابية (والأنظمة الإرهابية) أوساخها في فرنسا وبلجيكا وألمانيا، لتضرب خبط عشواء، تقتل وتُسيء وتنشر الموت في كل مكان، ورغم هذا لم تعتقل السلطات شخصاً واحداً دون دليل واضح جليّ، سواء أكان مواطناً أم مقيماً أو حتى مشرّداً، ولم يتأثر وضع مئات الآلاف من اللاجئين، لتقول القارة العجوز للعرب إن القانون والعدل هما أهم أسس الدول المتطورة الراسخة، وأن الديمقراطية لا تأخذ الأخ بجريرة أخيه، كما هو الحال في العديد من الدول العربية.

في مشهد آخر، تأرجحت الولايات المتحدة في مواقفها في سورية، بين داعم (معنوي) للمعارضة، إلى داعم (بالسلاح) للأكراد الانفصاليين، إلى (مُحابٍ) للنظام، إلى (متآمر) مع روسيا، وخيّب آمال السوريين الذين راهنوا عليها، وكان ذلك عبرة لمن اعتبر، بأن العم سام لا يمكن أن يفهم إلا لغة مصالحه، ولا تهمه حقوق الشعوب ولا إنسانيتها، ودرساً للعرب بأن لا يضعوا (بيضهم) في سلة من لا يُؤتمن.

على هامش المأساة السورية أيضاً، يذكر الجميع كيف صعدت روسيا (الشيوعية) على ظهر ثورات العالم، وتاجرت طوال عقود بنضالات الشعوب، و(ضحكت) على البروليتاريا، العادية والرثّة، ثم استثمرت في أنظمة سحقت هذه الشرائح، ودعمت بحجتهم أسوأ ديكتاتوريات العالم، ومنهم النظام السوري الذي يحمل مسؤولية قتل نصف مليون من السوريين، ومن المفترض أن تكون التجربة الروسية أيضاً درساً للعرب، بأن (ديكتاتورية البروليتاريا) لا تختلف عن ديكتاتورية القياصرة، طالما أنها مبنية على الفساد والقمع والتسلط والتخويف والمافيات السياسية والأجهزة الأمنية، وأن ما أنتجته روسيا من أنظمة (اشتراكية) في العالم العربي، لا يحمل من صفات الكلمة إلا اسمها.

بعيداً عن هامش المأساة السورية، وقريباً من مأساة الشرق الأوسط كله، كانت تجربة أنظمة الممانعة والصمود والتصدي درساً من أسوأ الدروس التي كان على العرب أن يتعلموا منها، إذ ظهر أن الأنظمة (المُمانعة) و(المُتصدية)، في سورية والعراق وإيران، وأدواتها، كحزب الله والفصائل الفلسطينية المتحالفة مع النظام السوري، كلها متآمرة، مرتبطة، ومشكوك ولائها لبلدانها، وعلى الشعوب العربية أن تعرف بعد الآن أن كل مُبالغ هو كاذب بالضرورة.

كثيرة جداً هي التجارب التي كان على العرب الاتعاظ منها، وكثيرة هي الأحداث والقضايا التي قدّمت لهم دروساً مجانية، ليتعلموا ويحصّنوا أنفسهم، ولينقذوا ذواتهم وشعوبهم وأوطانهم، حاضرهم ومستقبلهم، وقليلة جداً هي العِبر التي التقطوها، أو الدروس التي استفادوا منها، بل تكاد تكون نادرة، لكن الأمر يقتضي الاستمرار رغم التشاؤم، فالقضية وجودية، لأنه ما لم يتعلم العرب من تجاربهم، وتجارب غيرهم، فإنهم سيبقون محاصرين في واقعهم الرثٍّ المهترىء الذي لا يُستبشر منه شيئاً.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها