الجمعة 2016/07/22

آخر تحديث: 08:17 (بيروت)

ماذا راكمت المعارضة السورية

الجمعة 2016/07/22
increase حجم الخط decrease

تدّعي غالبية قوى وكتل وتيارات المعارضة السورية السياسية أنها هي الأصل والأساس وصاحبة الشرعية (الشعبية)، وأنها تُمثّل (نبض الشارع) والثوار وهمومهم، وتكاد تجزم بامتلاكها وحدها الحقيقة، وبأنها حاملة بحنكتها وعظمتها وفكرها حاملة مفاتيح الحل.

لم يخطر ببال أياً من هذه القوى والكتل والتيارات احتمال أنها باتت بغالبيتها خارج الوجدان السوري، وأنها موجودة بفعل (عزم العطالة) ليس إلا، وأن الشيء الحقيقي الوحيد هو عجزها وفشلها وقصر نظرها ونرجسيتها وفوقيتها، وأن اعترافها بأخطائها (الكثيرة) ربما يكون الوسيلة الوحيدة لإعادة بعض الألق لها.

قبل نهاية السنة الأولى من الثورة، بدأت تتبلور هياكل وتكتلات لقوى المعارضة السورية، سرعان ما انقسمت إلى داخلية وخارجية، ورفضت كل واحدة منهما الأخرى، ونشب صراع بين ممثلي هذين التيارين لدرجة التخوين أحياناً، ثم انقسمت هذه التكتلات ونشبت خلافات داخلية فيها، وانسحب منها كثيرون، وتغيرت بناها التأسيسية، كما هُمّشت تكتلات وقوى ونشأت بدلاً عنها تكتلات وقوى أخرى بتسميات مختلفة، وحاول غالبية قياديي تلك القديمة التسلّق على الجديدة، فكانت الحصيلة تكتلات جديدة تقودها نفس الشخصيات والقوى والأحزاب.

تباهت هيئة تنسيق قوى التغيير الديمقراطي التي تأسست نهاية عام 2011 بأنها (معارضة الداخل)، وسرعان ما بدأت تدبّ فيها خلافات جوهرية، فالقيادات الكهلة رفضت التسليم للقيادات الشابة، وتحوّل الاتحاد الديمقراطي (أكبر أحزابها) لحزب شمولي يستأثر بالقيادة والسلطة والنفوذ، ووزع المناصب والفوائد والامتيازات، وغادر الهيئة مؤسسون، وانسحبت منها أحزاب رئيسية، وانشقت عنها تيارات معارضة، وغادرها الأكراد دون أسف لينطلقوا بمشروعهم الفيدرالي، ونشبت خلافات بين مكاتبها وقيادييها، ورغم كل تلك (المصائب) رفض قياديوها ومسؤولوها الإعلاميون والحزبيون الاعتراف بأنهم مرتبكون وفاشلون ويتعرضون لمشاكل داخلية أو أن لديهم مشاكل بنيوية، وكابروا وكذّبوا وخدعوا أنفسهم قبل أن يخدعوا الآخرين، ورغم أن الجزء الأكبر من قياديي هذه الهيئة صار خارج سورية، إلا أن الهيئة مازالت تُصرّ على أنها معارضة الداخل، وكأنها لا تمتلك ما تفتخر به سوى هذه الصفة ولا تريد خسارتها.

على المقلب الآخر، وفي نفس الوقت تأسس المجلس الوطني السوري، الذي سرعان ما نصّب نفسه ممثلاً ومُقرّراً وناطقاً باسم كل المنتفضين، ومع الأيام اتّضحت تركيبته العشوائية، وانكشفت (المراجل) الفارغة والسطحية السياسية للكثير من قيادييه، ونخرته المحسوبيات والمصالح الشخصية، وتركه مستقلون، وانشقّت عنه قوى ومجموعات، ورغم هذا مازال أصحابه متمسكين به ومصرّين على (إحياء العظام وهي رميم).

جاء الفرج على السوريين ليُعلَن عن تأسيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية كبديل غير مباشر عن المجلس المُحتضر، وأمل السوريون خيراً، لكن لم تدم فرحتهم سوى أسابيع قليلة، ليتبيّن لهم أن غالبية هؤلاء هم ممن قفز من سفينة المجلس المهلهلة ليركب على سفينة أثبت، ومع الأيام تغيرت تركيبات هذا الائتلاف، وغادرته قوى وانضمت له قوى، بعضها لا يُعرف موقفها من النظام، ثم انشقت عنه تيارات وخاصمه مستقلون، وظلّ مصرّاً دون نقاش على أن يُصدّق كذبة أنه "الممثل الشرعي والوحيد للشعب السوري"، وفيما بعد نخره الفساد والمحاصصة و(الولدنة)، وأصاب بعض قيادييه مرض النظام "إلى الأبد"، و"نحن أو لا أحد".

أخيراً، حين تم الإعلان عن تشكيل الهيئة العليا للمفاوضات، اعتقد أصحاب الثورة أن هذه الأمراض ستجد نهاية لها، لكنهم لم يتفاجئوا عندما لم يحصل ذلك، فالمناعة التي اكتسبوها كانت كفيلة برد الصدمات، إذا سرعان ما تبيّن أن تركيبة تركيبة (تبويس الشوارب)، وكان أداء الهيئة موضع انتقاد أكثر منه موضع فخر، وشهدت الساحة تخبطاً إعلامياً وتزاحماً على المنابر، ثم طغت الشكليات على المضمون، وتحول مع الأيام لمنبر شجب وإدانة، وكاتب رسائل للمنظمات الدولية، وشركة للعلاقات العامة والعلاقات البروتوكولية التي لا تُسمن ولا تُغني من جوع.

تعب السوريون كثيراً من معارضاتهم، وكلّوا من كثرة الدعوة للتوحد، وكثرة مراجلها وقلّة فعاليتها، وملّوا من تفضيلهم الهم الشخصي على الهم العام، ومن البرامج المشتركة والرؤى الموحّدة وعشرات الاتفاقيات التي لم تُضف شيئاً للثورة، فتراجعت أسهمهم للحضيض، ما دفع النظام وحلفائه للقول إن الأسد يمكن أن يفوز بأي انتخابات مقبلة، متكئين على ضعف شخوص المعارضة لا قوة النظام.

مشكلة المعارضة السورية أنها تصرفت من منطلق المناكفة والمماحكة مع بعضها، ولم تقبل التنازل للآخر، ولم تستفد من تجاربها، ولم تسع لمراكمة خبراتها، بل راكمت عددها وعدد تكتلاتها، ولم تُطوّر أدواتها وآلياتها ووسائلها ومؤسساتها، ونسيت أن هدف الثورة تغيير النظام لنظام ديمقراطي وليس لتنصيبها بدلاً عنه، وهذا الخلل يدفع للاعتقاد بأن سقوط النظام الشمولي الذي دمّر سورية وقتل شعبها سيرافقه سقوط مشابه للمعارضة إن لم تعمل بشكل جدّي لمراكمة خبرات أتاحتها لها ثورة دخلت منذ أشهر عامها السادس.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب