الخميس 2016/06/30

آخر تحديث: 23:20 (بيروت)

هيئة حكم أم مجلس عسكري

الخميس 2016/06/30
increase حجم الخط decrease

منذ أن أصدرت مجموعة العمل الدولية من أجل سورية بيان جنيف وأيدته (نظرياً) كل الأطراف المعنية بالصراع في سورية وعليها، بدأ الجميع يتحدث عن وحدانية الحل السياسي واستحالة الحل العسكري، وضرورة تشكيل هيئة حكم انتقالية ذات صلاحيات كاملة (أو ما يقوم مقامها) لتستلم السلطة في سورية وتُنهي خمسة عقود من الحكم الشمولي.

صارت "الهيئة الحاكمة الانتقالية" لازمة على لسان الجميع، وصار الجميع يدّعي أنه يدعمها ويسعى لأن تكون أمراً ملموساً، سواء أكانت الدول الكبرى أم الإقليمية، فضلاً عن النظام والمعارضة، لكن المشكلة أن كل طرف راح يفسّرها وفق رغباته ويشد الغطاء نحوه ليُغطّي استمراره بالحرب.

طوال أربع سنوات، حاول المجتمع الدولي تنفيذ بنود بيان جنيف دون أن ينجح، وعقد عدة مؤتمرات لذلك، وتابع السوريون مؤتمر جنيف 2 و3 واجتماع فيينا 1 و2 وغيرها من اجتماعات في باريس وبرن ونيويورك، لقاءات لم ينتج عنها سوى تكرار لبيان جنيف مع بعض الاختلاف في التسميات لهذه (الهيئة الحاكمة الانتقالية)، كـ (حكومة انتقالية بصلاحيات كاملة)، و(هيئة حاكمة انتقالية ذات مصداقية وغير طائفية)، وبمشاركة كل الأطراف ذات الصلة عُقدت جولات عديدة تُمهّد لهذه المفاوضات كما عُقدت جولات مفاوضات غير مباشرة ومباشرة، لم ينتج عنها أي نتيجة تُذكر.

على الأرض كان كل شيء يجري بشكل يُناقض بيان جنيف، إذ زاد إصرار النظام على حسم الأمور عسكرياً، وحشد ميليشياته وقواته العسكرية لمحاربة كل المعارضة على اختلاف إيديولوجياتها، وقال الأسد مرات عديدة إنه لن يتنازل عن العصا ولا عن السلطة، بل وحتى إنه لا يرى أحداً أمامه.

كذلك زاد تدخل إيران العسكري بشكل فاضح لدرجة إعلانها التدخل العسكري المباشر سواء عبر قواتها أم عبر عشرات الآلاف من المرتزقة الطائفيين الأفغان والعراقيين واللبنانيين أيضاً.

أما دولياً، فلم تلتزم الدول الكبرى بتعهداتها لتشكيل الهيئة الانتقالية، وأغرقتها بالتفسيرات، وبدلاً من أن تدعم الولايات المتحدة هذا الحل بقوتها، قررت دعم تحالف دولي يشن هجمات جوية كثيفة على أهداف سورية لا يستطيع أحد الجزم بماهيتها، كذلك قررت روسيا دعم قواعدها الجوية والبحرية والبرية وشنّ آلاف الهجمات استهدفت في غالبيتها فصائل المعارضة السورية المسلّحة.

وعلى هامش ذلك برز الأكراد بشكل غير متوقع، وشكّلوا ميليشيات واستقدموا مقاتلين من الخارج وتعاونوا مع طيف واسع من الحلفاء، وبدلاً من أن يدعموا فكرة الهيئة الحاكمة التي يمكن أن تُحصِّل لهم حقوقهم، دعموا إدارة ذاتية وفيدرالية وحلا ًعسكرياً يزيد النطاق الجغرافي لفيدراليتهم.

أما فصائل المعارضة السورية المسلّحة فقد تعددت وتنوعت وتفرقت، وبلغت عدة مئات، وتم اختراق بعضها من النظام وغيره، ولم يقدّم أحد للمعتدلة أي دعم، مقابل بروز نجم فصائل إسلامية، فيما لم تستطع المعارضة السياسية السورية بكل تشكيلاتها أن تنال ثقة المعارضة المسلحة، ولم يتعد دورها مستوى الدعم الإعلامي.

تواجد كل هؤلاء لم يخفف من تمدد تنظيم الدولة الإسلامية، الذي بقي بعيداً عن الاستهداف المباشر لقوات النظام وحلفائه بمن فيهم الروس، ولم يستطع أي طرف إقليمي أو دولي لجمه.

في ظل ابتعاد الحل السياسي وتضاؤل فرصة تشكيل هيئة حاكمة انتقالية، وعدم وضوحها وضبابيتها، والتفسيرات الكثيرة التي كبُلتها، وتعدد الجهات العسكرية التي تعبث بسورية، باتت فكرة تشكيل مجلس عسكري مشترك مطروحة كحل أنجع، بحيث يتشكل من ضباط منشقين ومن ضباط من الجيش (علويين وغير علويين) ممن لم تتلوث أيديهم بالدماء، يستلم زمام الحكم في سورية ويعيد الأمن ويُشرف على الانتقال السياسي، ويُحارب المنظمات المتطرفة، ويطرد المقاتلين الغرباء من كافة الجنسيات والأيديولوجيات.

يتواجد في تركيا والأردن مئات من الضباط السوريين (الأمراء) المنشقين عن النظام، وعشرات آلاف الجنود المنشقين ممن رفضوا مشاركة النظام بحربه ضد الشعب، يمكن أن يكونوا نواة للمشروع، وهم أبناء المؤسسة العسكرية، مُدرّبون ويُتقنون فنون الحرب، ومعهم من الطرف الآخر ضباط مُقتنعون بأن النظام ورّطهم مع طائفتهم في حرب عبثية، يكون مدعوماً دولياً.

لن يؤيد النظام السوري هذا الحل/ المشروع، لأن شرط نفاذه الأول هو إقصاء رأس النظام ورموزه وكل من شاركهم القتل والتشريد والتهجير والتدمير، وفي الغالب لن تؤيده المعارضة السياسية خوفاً من أن يعود الحكم في سورية للعسكر من جديد وهو ما قامت الثورة ضده، وكذلك الأمر لن يؤيده (مُنتفعوا) المعارضة لأنه سيُهمشهم ويُخرجهم دون مكاسب.

ربما بات الآن هذه الحل أكثر إلحاحاً، ومن الأسهل على الدولتين الكبريين الاتفاق عليه باعتباره المشروع القادر (بعديده وتدريبه) على إنهاء أي دور لرأس النظام وزمرته، ووضع حد لميليشياتهم المنفلتة، ومُرتزقة إيران والعراق ولبنان، والقادر على محاربة تنظيم الدولة الإسلامية وأشباهها على الأرض، ويحد من شطط بعض المعارضين، والجهة الوحيدة التي يمكن أن تتحدث باسم الدولة، لكن كل ذلك لن يكون طرحاً سليماً إلا إذا تعهّد هذا المجلس (وبضمانة دولية) أن لا يتدخل بالشأن السياسي ولا يعود سلطة عسكرية بديلة عن السلطة الحالية، وبهذه الحالة، ربما كان هذا المجلس هو أقصر الطرق وأنجعها لإنهاء حرب أنهت ألفي يوم من التدمير والتخريب.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب