الجمعة 2016/07/15

آخر تحديث: 08:47 (بيروت)

مطلوب حلول مبتكرة

الجمعة 2016/07/15
increase حجم الخط decrease

تمر (الثورة) السورية اليوم بأسوأ حالاتها، ليس لعيب فيها أو بمطالبها وأحقيتها وشرعيتها، ولا لتقاعس أبنائها وثوارها والحالمين بنجاحها، بل لعدة عوامل، بعضها سوري ذاتي، وبعضها خارجي إقليمي ودولي، ويستدعي هذا الوضع الحرج الذي تمر به الثورة تحركات ومسارات مبتكرة، على المعارضة السورية المضي بها.

كثيرة هي العوامل التي أعاقت وتُعيق نجاح الثورة السورية لتحقيق أهدافهاً، بعضها يرتبط بعنف النظام وتسخيره إمكانيات الدولة الحربية والاقتصادية كاملة لترسيخ سلطته، وعدم تردده في استباحة كل المحرمات الأخلاقية والإنسانية والقانونية لضمان بقائه، واستخدامه كل الوسائل اللا إنسانية لقمع الشعب وتدمير أحلامه، وتلاعبه بأصحاب المذاهب والقوميات ليتورطوا بحربه غير المقدّسة، مروراً باستدعائه الإيرانيين والروس وكل أفّاق لف لفيفهم لدعم سلطانه (الذي لم يَدُمْ لغيره)، وفتحه أبواب سورية أمام ميليشياتهم التي تحمل أمراضاً وأحقاداً لا حدود لها، بما فيها من تنظيمات طائفية ومتشددة وإرهابية من كل نوع.

هذا هو العامل الذاتي الأول الذي أعاق ويعيق نجاح الثورة، أما العامل الثاني فيتعلق بالمعارضة السورية ذاتها، السياسية منها بشكل أساسي، والتي لم تستطع خلال خمس سنوات أن ترتقي لمستوى الحدث السياسي والعسكري، فكان قسماً منها ـ ومازال ـ يُجرّب ويتعلم، وقسماً آخر يلهو ويترزّق، وثالث يفجّر شحناته الزائدة دون أن يقف على أرض صلبة، وألهت قسماً كبيراً منهم المحاصصة والمناصب والفوائد والمكاسب والمحسوبيات، فتفرقوا وتصادموا وتحاربوا سياسياً وعسكرياً، ففشلوا وفسدوا وارتهنوا.

أما العوامل الإقليمية والدولية المتعلقة بهذا الأمر فهي أكثر من أن تُحصر بعجالة، لكن يمكن اختصارها بوجود رغبة لدى العديد من الدول لتحقيق تطلعاتها عبر استعراض عضلاتهم بزيادة سعير الحرب السورية، ويقف على رأس هذه الدول (الطامحة) روسيا والولايات المتحدة وإيران على وجه الخصوص، الأولى التي استفاقت (مافياها) السياسية على صوت طبول الحرب السورية فرأتها فرصتها التي لن تُعوّض لتعيد بلدها للصفوف الاستعمارية الأولى، والثانية التي قررت ـ الآن لسوء الحظ ـ أن توقف تدخلها بالأزمات الدولية وتؤجل مواجهاتها العسكرية وشبه العسكرية وترضى بالمقايضة، وتنكفئ وتستكين، والثالثة التي لا تعرف إلا الاستثمار بدماء ومصائب الآخرين.

كل هذا أدى لدخول الثورة السورية نفقاً مُظلماً، يُهدد بفرط عقدها، أو فشلها في تحقيق الحد الأدنى من أهدافها، إذ شهدت الفترة الأخيرة فشل الوعد الدولي برعاية حل سياسي تفاوضي يضمن انتقالاً سياسياً، وكذلك فشلاً للكتائب المسلّحة في تغيير ميزان القوى بسبب التخاذل الذي لم تحسب له حساباً، كما شهدت أيضاً تدخلاً روسياً كاملاً لا يُحلّل ولا يُحرّم، واخطبوطاً إيرانياً سرطانياً لا يوجد من يَرُدّه، وعدم مبالاة أمريكية، وتراخياً أوربيا، وقلقاً أممياً لا يُسمن ولا يغني عن جوع، وصلحاً تركياً روسياً مريباً، وآخر روسياً إسرائيلياً، وغزلاً أمريكياً إيرانياً، وخوفاً عربياً سلبياً، واسترخاصاً عالمياً للدم السوري.

لكن، كل هذا التشاؤم، لن يُغيّر من الحقيقة الأهم، وهي أن الشعب السوري قام بثورته ضد نظام شمولي أمني طائفي لم ولا يرحم، وقدّم ضحايا وتضحيات من الصعب حصرها، وراهن على حاضره ومستقبله من أجل التغيير، ومن أجل ضمان عيش حر كريم وعدالة ومساواة للجيل القادم، وهذا الرهان الثوري لن يكون مجانياً، ولن يضيع مهما حاول كل السابقين التلاعب والاستهتار به، وبكل المقاييس، العقلية والواقعية والخيالية والإنسانية والقانونية والمحلية والأممية، لم يعد يقدر السوريون العيش مع النظام الذي أوصل بلدهم لهذه الأنفاق المُظلمة والمستنقعات الآسنة.

تقع على عاتق المعارضة السورية، الوطنية والعاقلة حصراً، مهمة تقليل الخسائر المقبلة، عبر إعادة تقييم الأوضاع السياسية والعسكرية، والمبادئ والنهج والأسلوب، والتحالفات والرهانات، وأن تقرأ الواقع الحالي بإشكالياته، وتعيد صياغة حلول قابلة للتحقق، تضمن حقوق أهل الثورة، ويؤكد كثير من العارفين أن مثل هذه الحلول مازالت ممكنة رغم كل التشاؤم.

في هذا السياق، يؤكّد البعض أن على السوريين التمسك بفكرة كتابة دستور جديد كتمسكهم بأرواحهم، فهو الخلاص لهم من كل مآسيهم التي عاشوها طوال حكم النظام الحالي، الذي حكم وعبث واستبد وطغى باسم هذا الدستور، لأن تغيير الدستور وسحب صلاحيات الرئيس منه يعني نظرياً سقوط النظام، ولو بعد حين.

تغيير الدستور وتوزيع صلاحيات الرئيس لصالح الحكومة والسلطات الأساسية الثلاث، حق لا يمكن أن تعترض عليه الدول الكبرى، ولا يملك النظام أي حجج عقلية ومنطقية لرفض الفكرة، ولن يكون هناك خطوط حمراء على هذه الفكرة من أي دولة مؤثرة بالأزمة السورية، ويمكن أن يتم ذلك بيد سورية وبإلزام دولي صارم، ورغم أن الفكرة أخفض سقفاً من مطلب تنحية رأس النظام قبل بدء المرحلة الانتقالية، إلا أنها خطوة ستضمن ـ بالتأكيد ـ عدم وجوده في المرحلة ما بعد الانتقالية، وفي سورية المستقبل.

ربما تبدو الفكرة صالحة، وربما ستجد من ينتقدها، أو يجدها مُتهاونة أو قلقة، لكنها ـ نظرياً ـ قابلة للتنفيذ، ويمكن أن توصل لحل يحقق أهداف الثورة تدريجياً، وبالعموم، الأفكار كثيرة، والمطلوب من المعارضة السورية، ودائماً الوطنية والعاقلة حصراً، أن تبتكر حلولاً قابلة للتنفيذ، ويمكن إقناع الدول الكبرى بها، وتُحقق في نفس الوقت أهداف الثورة ولو تدريجياً، حلولاً لا تعتمد على انتظار مكرمات الغير، ولا على قلق مواقف الآخرين وترددهم، ولا يقدر أحد على رفضها أو نقدها أو التهرب منها.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب