الجمعة 2016/06/24

آخر تحديث: 00:16 (بيروت)

خلافات رفاق السوء

الجمعة 2016/06/24
increase حجم الخط decrease

شهد جنوب حلب قبل أيام اشتباكات عنيفة بين مقاتلي حزب الله اللبناني وقوات النظام السوري، استُخدمت فيها الأسلحة الثقيلة، وحسمها النظام باستخدام سلاح الطيران، وكشفت عن وجود خلافات جوهرية وصراع نفوذ وأجندات بين الطرفين الحليفين.

هذه الخلافات والصراعات والتناقضات بين النظام السوري وحلفائه ليست جديدة ولا غريبة عليه، فمنذ انطلاق الثورة قبل خمسة أعوام، وطّد النظام السوري تحالفاته مع أسوأ الأطراف الممكنة، ونسج تحالفات شاذة غريبة عن الواقع والمصلحة السورية الوطنية، وقرّب أطرافاً تحمل مشاريعاً متناقضة استراتيجياً مع مشاريعه وتقترب تكتيكياً فقط، فهو يطلب الأبدية في الحكم بينما تلك الجهات تستغل وهمه هذا لتُحقق لنفسها غير ذلك.

استقدم النظام حلفاء مرتزقة ليس بينه وبينهم لغة مشتركة ولا هدف نهائياً مشتركاً، وتنازل لهم لدرجة تلامس تخوم الإذلال فقط ليدعموه ويساعدوه على الاستمرار في حكم سورية وعلى بقاء رأس النظام وطائفته، ولقصر نظره، لم يعر انتباهاً إلى أن الأهداف النهائية لأولئك الحلفاء ليست تلك التي يحلم بها.

واصل رأس النظام السوري مسيرة أبيه، من حيث العلاقة المريبة غير السويّة مع إيران، فجعلها أهم حلفائه في حربه ضد الشعب، رغم معرفته بأنها تحمل مشروعاً قومياً فارسياً توسعياً تُلبسه لبوساً طائفياً، وسمح لها بأن تعيث فساداً على كل الأصعدة، فهيمنت وسيطرت وحاربت وخرّبت وقتلت في سورية دون حساب، وهي في صميمها لا يهمها مصير النظام إلا بالقدر الذي يُسهّل لها طريق الوصول لأهدافها، واحتلت مناطقاً استراتيجية وحشدت ميليشيات طائفية عراقية ولبنانية ملتزمة عقائدياً بولاية الفقيه ولم تحصر رهانها بالنظام وحده، ولم يفهم النظام أن يوم المواجهة مع هذا الحليف لابد آت.

الأسد الأب الذي أورث الكرسي لابنه تحالفاً مع حزب العمال الكردستاني (ب ك ك) المتمرد، ودعم ودرّب وسلّح مقاتليه، دون أن يعير كثير أهمية لجارته الشمالية التي كشّرت عن أنيابها في وجهه، ولم يخطر بباله أن هذا الحزب له مشروع آخر غير مشروعه البعثي الطائفي سواء بسواء. وبعد الثورة عاد ابنه ليقع بنفس الحفرة من جديد، فتحالف مع حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي (ب ي د) المتمرد أيضاً، ودعم ودرّب وسلّح مقاتليه دون وعي لنتائج فعلته، ظنّاً منه أن هذا الحزب سيسانده للبقاء، ولم يضع هامشاً لاحتمال تمرّد هذا الحليف الذي يحمل مشاريع بعيدة كل البعد عن مشاريعه ومشاريع غيره من السوريين، ولم يفهم أن يوم المواجهة مع هذا الحليف لابد آت.

كذلك واصل رأس النظام الحالي مسيرة أبيه في التحالف مع روسيا، وهي التي وضعت أسس الفساد والبيروقراطية والحكم الشمولي في سورية، فاتكأ الأسد الأب على خديعة حكم العمال والفلاحين وديكتاتورية البروليتاريا وعلى حجّة النضال ضد الإمبريالية لتوطيد أركان حكمه، بينما اتكأ الابن عليها لتنقذ أركان حكمه من الانهيار، فسمح لها أن تحتل سورية وتنتهكها متوهماً بأنها ستكون حارسة لأبديته، وتناسى أنها تستفيد من ضعفه لاسترجاع دور دولي وحضور شرق أوسطي ضروري، وغاب عن ذهنه بأن روسيا ستتمسك به حتى تُرسّخ مشروعها، عندها سيكون بالنسبة لها عبئاً ستتخلص منه سريعاً، لأنه لن يستطيع مواجهة هذا الحليف أساساً.

صحيح أن تدخل كل هؤلاء أنقذ النظام السوري من السقوط، وأن هناك تحالفاً عضوياً مرحلياً بين النظام من جهة وإيران وروسيا وحزب الله والأكراد، لكن واقعياً يقف كل طرف من هؤلاء على طرف نقيض معه، ولا يمكن أن يوفّق بين أهدافه النهائية وبين أهداف "رفاق السوء" هؤلاء.

يعتقد النظام السوري وشخوصه على اختلاف مستوياتهم أنهم يُسيطرون على مسارات الحلفاء ويتحكمون بالعلاقة معهم، ويعتقدون كذلك أن "القوات الرديفة" أتت لسورية لتساعدهم محبّة وولهاً بهم، ويتشدقون بأن "بوط نظامهم" هو الذي يحكم لا "بوط الحلفاء"، لكنه سيستيقظ حين يأتي وقت اصطدام المشاريع والأجندات والأهداف، وحين يبدأ هؤلاء بالتخلي عنه، عندها لن ينفع الندم، وسيُدرك النظام أنّ من يبيع وطنه وشعبه من أجل السلطة يسترخصه الآخرون.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب