الجمعة 2016/02/12

آخر تحديث: 00:33 (بيروت)

سورية وإمساك زمام الأمور

الجمعة 2016/02/12
increase حجم الخط decrease

قال نائب قائد الحرس الثوري الإيراني العميد حسين سلامي إن بلاده باتت تمسك بزمام الأمور في سورية لصالح ما أسماها "السلطة السياسية الشرعية"، وأعلن بغرور لافت أن أي طاولة للمفاوضات هي "نمط لتوزيع القوة في العالم، وفي أغلب هذه الطاولات فإن إيران تجلس فيها كأحد محاور القوى من جهة وفي الجهة الأخرى سائر القوى الكبرى".

قبل ذلك قال الروس إنهم باتوا يمسكون بزمام مواجهة الإرهاب والحل السياسي والعسكري في سورية، وادّعوا بعد خمسة أيام من تدخلهم العسكري أنهم دمّروا 60% من مقدرات تنظيم الدولة الإسلامية بثلاثين طلعة جوية فقط، وقال وزير الخارجية سيرغي لافروف إن تدخلهم العسكري وخاصة الجوي ساعد على تغيير الوضع الميداني وقلّص رقعة سيطرة المعارضة التي يحلو له أن يصفها بالإرهابيين.

حزب الله سبق إيران وروسيا في ادعاءاته، وقال أكثر من قياديي في هذا الحزب في أكثر من مناسبة إن الحزب منع سقوط سورية والأسد وبات يسيطر على زمام الأمور، وأعلن حسن نصر الله الأمين العام للحزب بثقة بعد ثلاث سنوات على بدء الثورة أن الأسد لم يعد يواجه التهديد بإسقاطه وأن دمشق تجاوزت الخطر، وقال نائبه نعيم قاسم فيما بعد إن الحزب "حقق نصراً كبيراً" في سورية وحماها وأمّنها من أعدائها.

وقبل هذا وذاك ادّعى رأس النظام السوري في الكثير من المرات بأن الأزمة (خلصت)، وقال رجالاته وزعماء ميليشياته بأنهم انتصروا، وأن الأسد والأسرة والنظام والأمن وحكم الطائفة والفاسدين من خارج الطائفة باقون للأبد، وتوّجت زوجة الرئيس قبل أسابيع هذه المزاعم وقالت بثقة "وين كنا ووين صرنا" في إشارة ساخرة من المعارضين للنظام وكل من يدعمهم سياسياً وعسكرياً.

يعتقد النظام على نطاق واسع أنه انتصر، أو بأسوأ الأحوال بات قاب قوسين أو أدنى من الانتصار الحاسم الأبدي، وأن براميله وكيماويه وعنفه قد أثمرت، وتعتقد إيران أيضاً أنها انتصرت في بلاد أمية وأنها باتت تمتلك مفاتيح العالم العربي أو بأسوأ الأحوال مفاتيح الشرق الأوسط، كما يعتقد حزب الله أنه حقق في سورية نصره الإلهي الثاني وبات سيد الشرق الأوسط غير المُتوّج، فيما يعتقد الدب الروسي الذي جرّب كل أسلحته في هذا البلد المسكين أنه أنجز ما لم يُنجز منذ الحرب العالمية الثانية، وأن النصر الكوني المؤزّر على الأبواب، وأنه عاد قطباً عالمياً لا يُشق له غبار عب البوابة السورية.

تُرك الشعب السوري طوال خمس سنوات يقارع عنف النظام وسطوته وحيداً، انطلقت انتفاضة شعبية في درعا وعمّت كبقعة زيت في كل أنحاء سورية وكان وحيداً، وواجه وسائل تدمير كلاسيكية وغير كلاسيكية وظل وحيداً، وكل ما حصل عليه هو الكثير من الوعود والكلام، ولم يلتزم مُطلقو الوعود بها ولم تتحول الكلمات إلى أفعال، ورغم هذا ظلت البنى الشعبية والفكرية الحاضنة للثورة قائمة، بل وزادت الشرائح الرافضة للنظام ولحلوله الكارثية، والتي لا ترى مستقبلاً لسورية بوجوده، وهذا وحده علامة على أن النظام أو أياً من داعميه لم ينتصر ولم يملك زمام الأمور في سورية.

من الصعب التكهّن بقدرة المعارضة السورية المسلحة على الصمود في وجه كل تلك القوى والأسلحة، ولاشك بأنها عملية صعبة ومعقدة ومكلفة، ومن الصعب التكهّن أيضاً بقدرة المدنيين السوريين على احتمال العنف والنزوح والإفقار والتجويع والتمييز، لكن يمكن الجزم بأن انتصار أي من تلك الأطراف السابقة الذكر لن يعني انتهاء الثورة، وادعائها بأنها تمتلك زمام الأمور ليس إلا وهماً، ذلك أن المرحلة اللاحقة لـ (انتصارهم) ستُفرز حتماً واقعاً ثورياً مختلفاً في التكتيكات والأساليب، وستولّد وسائل مقاومة وليدة قساوة التجربة، وكلها لن تترك لهم فرصة للحلم بالانتصار.

يؤكد التاريخ البشري استحالة القضاء على ثورة شعبية قضاءً كاملاً مهما كانت توازنات القوى، وعليه يمكن الجزم بأن حقوق أهالي نحو نصف مليون قتيل أرداهم النظام ونحو مليون معاق خلفتهم حربه، وأهالي عشرات الآلاف من المختفين قسراً على أيدي أجهزته الأمنية، وحقوق مئات الآلاف ممن دُمّرت آلته الحربية بيوتهم ومصادر رزقهم، كلها لن تذهب هدراً ولن يستسلم أصحابها للنظام أو لغيره، ولن يقبلوا أن يُشارك في حكم سورية من دمّر حاضرها ومستقبلها، سواء أكان سورياً أم إيرانياً أو روسياً.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب