الأربعاء 2013/03/27

آخر تحديث: 06:13 (بيروت)

المواطن المحتمل

الأربعاء 2013/03/27
increase حجم الخط decrease
 الدستور اللبناني يقدّم إطارا للمواطن المحتمل، او المواطن الكامن أو بالقوة كما يقول أهل الفلسفة.
فالدستور الذي وضع في العام 1926 وعُدّل لاحقا، ينصّ على أن لبنان  "جمهورية ديمقراطية  برلمانية"،  وأن "كل اللبنانيين سواء لدى القانون"، وأن "الحرية الشخصية مصونة وفي حمى القانون" وأن "لكل لبناني الحق في تولّي الوظائف العامة لا ميزة لأحد على الآخر إلا من حيث الاستحقاق والجدارة" وأن المشاركة السياسية (في الترشح والانتخاب) حق وواجب على الجميع. لا يوجد في الدستور اللبناني ما يفيد بان هناك حزبا واحدا حاكما، ولا ما يفيد بان هناك دينا معينا للدولة، ولا بأن الشرع الاسلامي أو الشرع المسيحي هو مصدر التشريع. القانون فيه وضعي وهذا القانون هو فوق الجميع.
المواطن محتمل لأنه في الوقت نفسه يفتقد الدولة. لا يجد أن الدولة لها واجبات تجاهه، ولا يعرف ما حدود سلطتها. عقدة الدولة الدينية أو الدولة الحزبية كانت ربما وراء خفة الدولة في الدستور. ولعل مخاوف الجماعات من سلطة ما للدولة كانت وراء ظهور الدولة بالأشكال التي ظهرت عليها فيه، اما بصفتها كيانا سياسيا مستقلا عن البلدان المجاورة أو بصفتها "جهازا" يديره مجلس الوزراء، أو بصفتها حامية للجماعات رادعة لنفسها عن التدخل في شؤون هذه الجماعات. 
فالدولة، بحسب الدستور، تحمي حقوق الجماعات في انشاء مدارسها مثلا، ولكنها لا تكفل ولا تؤمن حق الفرد في الحصول على التعليم: "الدولة ...تحترم جميع الأديان والمذاهب وتكفل حرية إقامة الشعائر الدينية تحت حمايتها ... وهي تضمن أيضاً للأهلين على اختلاف مللهم احترام نظام الأحوال الشخصية والمصالح الدينية" (المادة التاسعة)، و"لا يمكن أن تمس حقوق الطوائف من جهة إنشاء مدارسها الخاصة، على أن تسير في ذلك وفاقاً للأنظمة العامة التي تصدرها الدولة..." (المادة العاشرة).
وبما أن الجماعات لم تكن تاريخيا متساوية الحظوظ في الثروة والسلطة، في المجتمع والدولة، فان الدولة الخفيفة التي نص عليها الدستور جعلت الموقف منها والشعور بالانتماء اليها والخضوع لها متباينا، تاريخيا أيضا. 
كان الوضع على هذه الحال عشية الحرب الأهلية، ولم ينفع المشروع الشهابي في تغيير المعادلة. وكانت التربية المدنية تعلم في المدارس في هذا السياق السياسي، أي باعتبار المواطنة أمرا محتملا. ثم جاءت الحرب فحطمت الدولة الخفيفة. 
اتفاق الطائف انطلق من فكرة أن المواطنة هي فقط عكس الانقسام، لأن جوهره تقاسم السلطة. أراد أن يبني المواطنة من خلال كتاب موحد للتربية المدنية، فقال بـ "اعادة النظر في المناهج وتطويرها بما يعزز الانتماء والانصهار الوطنيين، والانفتاح الروحي والثقافي وتوحيد الكتاب في مادتي التاريخ والتربية الوطنية". وفي ذلك وهمان. الأول ان التربية على المواطنة تختصر الى موضوع الانتماء لوطن جامع، وأن توحيد الكتاب "يصهر" المتعلمين المنتمين الى جماعات في بوتقة الوطن. وسرعان ما تبخر هذا الوهمان. ممثلو الجماعات لم يتفقوا على منهج أوكتاب واحد للتاريخ. والكتاب الموحّد لمادة التربية الوطنية والتنشئة المدنية الذي يعلّم منذ 12 سنة من الاول الابتدائي حتى نهاية المرحلة الثانوية لم يصهر الأجيال الجديدة من اللبنانيين. حاله في ذلك حال الكتاب البعثي الذي لم يصهر لا العراقيين ولا السوريين، أو الكتاب الشيوعي الذي لم يصهر أبناء يوغسلافيا.
الكتاب الموحد قلّص المواطنة الى دائرة المعرفة البسيطة. أبناء الجيل الجديد من اللبنانيين يعرفون في غالبيتهم ما المواطن الصالح، وما القانون وما الحقوق والواجبات وان الوظائف العامة يجب أن يتم الالتحاق بها على أساس الجدارة والاستحقاق، الخ.  هذا ما بينه الاستقصاء الذي أجريناه في العام 2008 على طلبة الصف التاسع (البريفيه). لكن مواقفهم واعمالهم قد تكون عكس ذلك، في ما يمكن تسميته بالمواطنة السلبية.
ألمواقف والأعمال تكتسب من الأوساط والشبكات الاجتماعية. وهذه الاوساط قد تكون منغرسة في النزاعات ومخالفة القوانين وفي انتزاع الوظائف بالقوة السياسية، وقد تكون منغرسة في المواطنة المحتملة وثقافة القانون، فتستنكر ما يجري على مسرح السياسة والدولة منتظرة عودة الدولة الخفيفة على الأقل، أو ساعية لها.   
 
 
 
increase حجم الخط decrease

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب