الخميس 2013/03/21

آخر تحديث: 03:34 (بيروت)

ربيع الجامعات المصرية

الخميس 2013/03/21
increase حجم الخط decrease
 في ربيع العام 2011 طرح معتز خورشيد وزير التعليم العالي في مصر آنذاك على أساتذة الجامعات المصرية الخيارين الآتيين حول كيفية اختيار القيادات الجامعية: لجان تقصّ أم انتخابات؟ والمقصود بلجان التقصي هيئات تقوم بتقبّل طلبات الترشيح للمناصب القيادية (رئيس جامعة، عميد، رئيس قسم) وبدراسة ملفّات المرشحين وبإجراء المشاورات مع المعنيين. ثم ترفع لائحة من ثلاثة أسماء تعطى الأفضلية نظراً لأهليتها، ثم تقوم السلطة الأعلى باختيار أحد هؤلاء المرشحين. وهي الطريقة المعتمدة في النظام الجامعي الأميركي. 
كان تعيين القيادات الجامعية في مصر حتى 25 يناير/ كانون الثاني 2011 فوقياً، يتمّ من أعلى إلى أسفل. رئيس الجمهورية يعين رئيس الجامعة، بناء على ترشيح الوزير، ورئيس الجامعة يختار العميد، ويختار رئيس القسم بناء على اقتراح العميد من بين الأكبر سناً. نظام التعيين "من فوق" يسود على كل حال في معظم الجامعات العربية ويتخذ شكله الأكثر تنميطاً في كل من مصر وسوريا وتونس (والعراق في زمن صدام حسين) حيث يستند النظام السياسي إلى دعامتي الأمن والحزب الحاكم. وهو نظام يقوم على الاستتباع السياسي لقيادات الجامعة كجزء من استتباع الجامعة ككل وفقدانها استقلاليتها. 
انتفاضة الشعب المصري تجسّدت سريعاً لدى أهل الجامعات الحكومية أساتذة وطلاباً، من باب استعادة الكرامة والحرية، فتركّزت انتفاضتهم على تغيير القيادات الجامعية وتغيير طريقة تعيينهم. جرى الاستفتاء الذي أطلقه وزير التعليم العالي وجاءت النتيجة بغلبة ساحقة لخيار الانتخابات (85%). وفي صيف العام 2011 جرت أول انتخابات للقيادات الجامعية في مصر. وفي الفترة نفسها حدثت تبدّلات مماثلة في تونس.
وفيما الشارع المصري كان يضج لاحقاً بالتحركات السياسية بين الإخوان المسلمين والمعارضة، خاصة بعد نجاح محمد مرسي، ظهرت في هذا الشارع تحركات مطلبية، من مظاهرات وإضرابات، شملت العديد من القطاعات. في هذا الوقت امتلأت محطّات التلفزيون المصرية بتصريحات ومناقشات عامة حول شؤون الجامعة شارك فيها وزراء ورؤساء جامعات وعمداء وأساتذة وطلاب. وكذا الحال في الصحف اليومية. ودبّت في الجامعات روح جديدة: ندوات ولقاءات واجتماعات ومقابلات صحافية وانتخابات طلابية وشعارات. وظهرت في انتخابات اتحاد الطلاب في شهر مارس/ آذار الحالي في جامعة القاهرة تجمّعات وقوائم ذات أسماء مثل: "مصر القوية" و"مصر الديمقراطي" و"طلاب الدستور" و" stop " و"أحلى حياة". 
من يستمع إلى تصريحات الطلاب لوسائل الإعلام يلاحظ قوة النزعة لاستعادة الذات، وجوداً وكرامة، والنية للقيام بشيء مفيد للطلاب الزملاء. ويلاحظ في الوقت نفسه غياب السياسة في تصريحات معظمهم. فقط ممثلو قائمة "أحلى حياة" المدعومة من الإخوان تدافع عن السياسة وعن أهميتها في حياة الطلاب. الإخوان المسلمون لديهم سياسة معلنة أو ضمنية تقوم كما يقال هناك على "أخونة" التعليم. لكن الشباب والأساتذة من غير الإخوان لا برنامج جامعي واضح لهم سوى الأخونة- سلباً. 
لم نقرأ منذ اندلاع الثورة في مصر أفكاراً ذات شأن تتعلق بنظام التعليم العالي في الجامعة. لم يقل شيء عن استقلالية الجامعات المالية والأكاديمية، ولم يقل شيء عن سياسة قبول الطلاب، إن لجهة مركزيته المفرطة أو لجهة  نظام الدرجات الذي يخرّب تكوين النخب، ولم يقل شيء عن انحباس التعليم العالي في عملية معاودة إنتاج جغرافي منغلق على نفسه، وعن حكامة التعليم العالي ودور المجلس الأعلى للجامعات، وعن نوعية التعليم ومكانة التعليم العالي في مصر عالمياً وعربياً... الخ.
ما يقال حتى الآن يقع ضمن إطار تحسين شروط التعليم، ويشبه ما تطرحه تحركات الشارع القطاعية: الأبنية والتجهيزات والكتب والمكتبات والخدمات الطلابية وغيرها. هذه المطالبات تشمل جميع الأطراف، وهي تحديداً ما تعجز الدولة عن تحقيقه في المدى المنظور ضمن الشروط الاقتصادية المعروفة للبلاد. 
ما يقال حتى الآن يقع ضمن إطار النظام السياسي السابق، ولم تتبلور بعد أفكار جديدة حول سياسة التعليم العالي. يحتاج ذلك إلى المزيد من الوقت. ويحتاج إلى "استقرار" في ممارسة الديمقراطية. أما التعيين "من تحت" فمن المرجح أنه ولّد آليات ولاء جديدة، فاقمت الابتعاد عن التفكير الحر والنقدي في أمر الجامعات. في هذا الوقت  يعيش الطلاب والأساتذة ربيع التعبير الحر وتوسع فرص ممارسة القيادة فيها.    
 
 
increase حجم الخط decrease

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب