السبت 2013/04/13

آخر تحديث: 02:53 (بيروت)

أفلاك الجامعات العربية

السبت 2013/04/13
increase حجم الخط decrease
 قال لي وزير للتعليم العالي في معرض كلامه عن تحديات التعليم العالي في بلده: لقد أوقفنا منذ مدة الاعتراف بالشهادات التي تأتينا من البلد (العربي) الفلاني. إنهم "يفرّخون" شهادات الدكتوراه هناك. كان ذلك في العام 2006. في العام نفسه كنت أجري جلسة تشاورية مع عمداء ورؤساء أقسام وأساتذة كليات إحدى الجامعات العربية. كان حديثنا جارياً على الجودة عندما فاجأنا أحد العمداء بقوله إن السلطات المعنية في السعودية توقفت عن قبول شهادات الطب من بلدنا. وكان في صوته حسرة. بعد أعوام نشرت إحدى الصحف في لبنان أن وزارة التعليم العالي تلقت رسالة من السلطات المعنية في الكويت تقول فيها إنها ستتوقف عن الاعتراف بالشهادات الصادرة عن جامعة لبنانية في اختصاصات معينة.
هناك أزمة ثقة متبادلة في العديد من البلدان العربية تجاه جامعات بعضها البعض. 
لقد ولى الزمن الذي كان فيه أبناء الخليج العربي والمغرب العربي والجنوب العربي يطلبون العلم في بلدان المشرق العربي، وفي طليعتها مصر. لبنان كان قد غرق في حربه وفقد أمنه. وسوريا تعاني من علومها الاشتراكية. والتعليم العالي في مصر يعاني على الأقل من قلة الصيانة. في هذا الوقت كانت البلدان المصدرة لطلبة العلم قد أقامت مؤسساتها الجامعية. أصبح التعليم العالي متوفرا محليا في كل بلد على حدة. 
الطلاب الجامعيون العرب لا يتنقلون بين الجامعات العربية اليوم. جامعة القاهرة كانت تضم في العام 2009/2010 أكثر من 180 ألف طالب، كان منهم أربعة آلاف فقط من خارج مصر (وافدون عرب وغير عرب). جامعة الملك عبد العزيز كانت تضم في العام نفسه أكثر من 122 ألف طالب، كان منهم أربعة آلاف طالب فقط من العرب. في الحالتين كانت النسبة دون الـ 5%.  وإذا احتسبنا جميع الطلاب العرب الذين يدرسون في جميع الجامعات العربية خارج بلدانهم فان النسبة لا تتعدى كمعدل عام الـ 5%. 
في الفضاء المتخيل للشباب، الجامعات هي تلك الموجودة في الفلك الوطني. قلة تبحث خارج الحدود: عندما تكون المعدلات المطلوبة للالتحاق بالجامعات الحكومية المحلية أعلى من المجاميع التي حصل عليها المتخرج من المرحلة الثانوية. في هذه الحالة ينساب عدد من الطلاب نحو جامعات أكثر تساهلاً حتى من تلك التي يوفرها القطاع الخاص في بلدهم. وغالباً ما يكون ذلك في بلد مجاور.  
ثمة قلة ثانية أصغر عدداً تبحث عن جامعات مرموقة خارج الحدود. وهذه الجامعات المعتبرة مرموقة موجودة في الدول المتقدمة، وليس في الدول العربية، اللهم إلا جامعات تعدّ على أصابع اليد. وعندما ترسل دول الخليج العربي، وخاصة السعودية، آلاف الطلاب سنويا للدراسة في الخارج فإنها ترسلهم إلى بلدان أوروبا وأميركا الشمالية واستراليا. ومن ترسلهم إلى الدول العربية (وبخاصة إلى مصر) يشكلون شريحة صغيرة يتابعون فيها الدراسات الإسلامية وبعض الفروع الإنسانية. قطر والإمارات ينفردان باستقدام الجامعات العابرة للحدود، وباستقبال طلاب عرب بنسب عالية. لكن هذه النسب ليست مهمة عربيا بسبب صغر حجم هذه الجامعات أصلا.  
الجامعات العربية لا تشكل في ما بينها شبكة اكاديمية، ولا حتى سوقا جامعية. إنّها تدور في أفلاك شبه مقفلة اليوم، ولو كان هناك حراك ظاهر للهيئة التعليمية ما بين البلدان المصدرة والبلدان الحديثة العهد بالتعليم العالي. في استقصاء اجري على 300 مؤسسة تعليم عال عربية في العام 2010 كان هناك 66 مؤسسة لها برامج توأمة مع جامعات أخرى خارج البلاد. تسعة فقط من هذه المؤسسات كانت لديها برامج توأمة عربية. 
ولكن عند البحث في نصّ الرسالة التي وضعتها كل من هذه المؤسسات لنفسها تبيّن أن 41% منها عبّرت عن توجهات عربية وإقليمية. هل هذا لغو إنشائي يقوم على إنكار الانكفاء والانقطاع بين الجامعات العربية؟ أم أنه خطاب لجيل "سابق" ما زال يحنّ الى زمن مضى؟ أم أنه خطاب مستقبلي لم نتمكن من الإحاطة به؟ 
 
increase حجم الخط decrease

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب