الإثنين 2013/02/04

آخر تحديث: 04:28 (بيروت)

جامعة القرية جامعة الجماعة

الإثنين 2013/02/04
increase حجم الخط decrease

 
 في الزمن الغابر، منذ أربعين سنة مثلاً، كان الطفل الذي تقرر أن يصبح تلميذاً، يذهب إلى مدرسة القرية في المرحلة الابتدائية، وربما يتابع فيها أيضا الدراسة المتوسطة أو الإعدادية. ولمتابعة الدراسة الثانوية يذهب الطالب إلى المدينة التي هي مركز  القضاء أو المحافظة.
في المدرسة الثانوية يدخل الطالب إلى عالم جديد، فيه بشر يشبهون البشر الذين نشأ بينهم سابقاً من نواح ويختلفون عنهم من نواح أخرى. وغالباً ما يتعرض لصدمة ثقافية ولو خفيفة. يتعرف على أشخاص جدد يحملون عادات وأفكاراً جديدة عليه. يتفاعل معهم ويكتسب منهم ويؤثر فيهم ويكون معهم شبكة جديدة أو محيطاً جديداً يضاف إلى المحيط الذي ترعرع فيه. المدرسة الثانوية تعطيه هوية إضافية هي مزيج من لقاء الثقافات الفرعية ومن خلاصة الحياة الجماعية المشتركة لأشخاص متنوعين ومن تحصيل تنافسي في المدرسة. المدرسة الثانوية ليست دراسة إضافية فقط بل هي أيضاً عالم جديد بمناخ مفتوح على آخرين. المدرسة الثانوية تقدم  للمتعلم الشاب لأول مرة في حياته بدائل في التفكير والسلوك واللغة لم يعتدها من قبل. والبدائل هي خميرة التغيير.
الجامعة تجربة مماثلة أكثر كثافة وغنى. مع الانتقال إليها يضطر الطالب للذهاب إلى مدينة كبرى أو إلى العاصمة. هنا تكون الصدمة الثقافية أقوى بسبب شدة التنوع وكثرة البدائل في اللباس والعلاقة بين الجنسين والأفكار السياسية والدين والتدين والعلاقة بالأساتذة واستخدام اللغات وغيرها الكثير. الجامعة تجمع المختلفين الآتين من أوساط متفرقة وبعيدة عن بعضها البعض، هذا معناها باللغة العربية. والجامعة تقدم أفكاراً وقيماً كلية أو عامة (universals)، هذا معناها باللغة الأجنبية. وهي في بلداننا تحمل مبدئياً هذين المعنيين معاً.
الذين يتجهون نحو الدراسة في الخارج، إبان الدراسة الجامعية أو إبان الدراسات العليا، يصطدمون بثقافة مختلفة كلياً عن ثقافة مجتمعهم، ابتداء من اللغة. هؤلاء الذين يتفاعلون مع الثقافة الجديدة يكتسبون هوية رابعة، عالمية الطابع، بعد هوية القرية والجماعة وهوية المدينة وهوية العاصمة. هؤلاء يصبحون لاحقاً جزءا من نخبة بلدانهم.
التقيت في يوم من العام 2006 بأستاذ في جامعة أسيوط المصرية. عرف عن نفسه بطريقة مطولة فقال: درست في المدرسة الابتدائية في أسيوط، وتابعت دراستي في ثانوية أسيوط ثم أنهيت دراستي الجامعية في جامعة أسيوط، ثم تقدمت إلى شهادة الدكتوراه في جامعة أسيوط وأنا الآن أستاذ في جامعة أسيوط. كان يريد التدليل على قوة انتمائه إلى أسيوط كمجتمع وكجامعة.  وإبان الحديث معه تبين أنه ينشر أبحاثه في المجلة التي تصدر عن جامعة أسيوط.
بتاريخ 25/1/2010 نشرت الصحف اللبنانية الخبر التالي: "رعى رئيس الجامعة اللبنانية الدكتور زهير شكر الافتتاح الرسمي لشعبة كلية العلوم في تكميلية حلبا الرسمية، في حضور النواب نضال طعمة ومعين المرعبي وهادي حبيش وخالد ضاهر وخالد زهرمان وخضر حبيب ورياض رحال، ومفتي عكار الشيخ أسامة الرفاعي، وناصر بيطار ممثلاً النائب السابق لرئيس الحكومة عصام فارس، والمنسقين العامين لـ "تيار المستقبل" في الشمال عبد الغني كبارة وفي عكّار حسين المصري، ورئيس دائرة الأوقاف الإسلامية في عكّار الشيخ مالك جديدة ومنير الحسيني ممثلاً المنسّق العام لقطاع الشباب في "المستقبل" احمد الحريري وعميد كلية الأعمال في الجامعة الدكتور كميل حبيب وعميد كلية الزراعة الدكتور تيسير حمية وعميد كلية العلوم الدكتور علي منيمنة، وجمع من الطلاب." وألقى هؤلاء خطباً في المناسبة. وانتهى الخبر كما يلي: "ثم كانت جولة في الشعبة التي تحتل مؤقتاً الطبقة الثالثة لمبنى تكميلية حلبا الرسمية". وبعد أسبوعين نشرت الصحف خبراً مماثلاً عن افتتاح شعبة لكلية العلوم في بنت جبيل. ولا أذكر تماماً في أية طبقة من أية مدرسة أقيمت الشعبة. وفي الشهر نفسه افتتحت شعبة لكلية العلوم في عمشيت.
هي ربما ظاهرة عالمية: جامعات تصعد نحو العالمية في ما يسمى جامعات النخبة العالمية (world class universities) وجامعات تشهد نكوصاً نحو القرية والجماعة.






 
increase حجم الخط decrease

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب