الخميس 2013/02/21

آخر تحديث: 02:56 (بيروت)

رئيس جامعة خاصة

الخميس 2013/02/21
increase حجم الخط decrease
سألت مرة عميداً لكلية في جامعة خاصة عن سبب إهمال المكتبة ولماذا هي صغيرة وقليلة الكتب ومهملة وخدمة الطلبة والأساتذة فيها تكاد تكون معدومة مهنياً. قال معك حق، يجب أن نطلب من الرئيس أن يخصّص لنا مبلغاً من المال لنزوّدها بكتب جديدة. الرئيس هو أقرب لأن يكون مالك الجامعة، كأنه سوف يُخرج المال من جيبه ويعطيها للعميد. كأنه أب يعطي ولده مصروفه.
عندما يجتمع مع العمداء يكون جالساً على كنبته، وقد وضع يديه على ذراعي الكرسي، يحرّك يداً واحدة فقط بقدر وزنه أمام الحضور. ينطلق بالكلام، يصول ويجول في ماضيه وفي من اتّصل به ومن سيتّصل، ويقدّم نصائح حول الإدارة والتخطيط الحسن واتخاذ القرارات. يقول من حين لآخر إنه انتهى من هذه النقطة وإنه الآن سوف يبدأ نقطة ثانية، كأنه يتبع جدول أعمال اتّفق عليه مع نفسه. وعند كل مفترق بين النقاط يبيّن أن الموارد قليلة والمطالب كثيرة، وأن الصبر والمثابرة أمران واجبان.
أخبرني العميد، ونحن نتابع كلامنا، أن الرئيس استدعاه منذ فترة قصيرة وكان وقتها أستاذاً في الكلية، وأخبره انه اختاره من بين جميع زملائه ليكون عميداً، وان أكثر من شخص في الجامعة والكلية أيّدوا هذه الفكرة ونصحوه به. لذلك اتّخذ قراره. قال له إنه سوف يُصدر هذا القرار خطّياً قريباً جداً، وسوف يتضمّن القرار ترقيته إلى رتبة أستاذ حتى يكون لتعيينه وقع حسن، لذلك يجب أن يزوّده الأستاذ بنسخة عن سيرته العلمية حتى يبني عليها حيثيات القرار. سألته عن أصول تعيين العميد في الجامعة، وعما يرد في النظام الداخلي أو نظام الجامعة حول شروط الترقية إلى رتبة أستاذ فقال إن هذه النظم قيد الإعداد، وإن من يعدّها يراجع أحدث الأنظمة العالمية، وإن الرئيس يحثّ شخصياً الشخص الذي كلفه بهذه المهمة على سرعة الانجاز.
وتابع الرئيس كلامه كما يقول العميد، متحدثاً عن عميد ناجح يا حبذا لو يعمل على غراره. يأتي العميد الثاني كل يوم باكراً إلى مكتبه، يكون أول الواصلين وآخر التاركين. يضبط حضور الأساتذة وحضور الطلاب ويتأكّد أن كلّ شخص في مكانه في الوقت اللازم، ويعدّ التقارير الدورية عن سير الأعمال في الكلية ويرفعها للرئيس. وهو، أي العميد الثاني، بابه مفتوح طوال الوقت، الجميع يعودون إليه في كل صغيرة وكبيرة وهو يتصرف بانفتاح ورحابة صدر مع الجميع.
تمّ تعيين العميد. وقد حصل الحديث معه في نهاية الأسبوع الأوّل لتعيينه. بعد ثلاثة أسابيع استدعاه الرئيس وقال له إنه يحتاجه في مكان آخر في الجامعة وإنه سوف يعيّن فلاناً عميداً مكانه. واعتذر منه قائلاً إنها فقط أسباب اضطرارية وطارئة وإنه يكنّ له كل المودّة.
لا يعرف المرء ما إذا كان يجب أن يضحك، باعتبار أن ما يسمعه كوميديا، أو يحزن باعتبار أن ما يسمعه تصحّ فيه صفة التراجيديا. كل مدير أو عميد أو رئيس جامعة أو مؤسسة يطبع بشخصه الدور الذي يقوم به. من هنا المدير الناجح والمدير الفاشل، الرئيس الديناميكي والرئيس الجامد، العميد التقدمي والعميد المحافظ...إلخ. لكن الإدارة في المؤسسة الحديثة هي إدارة لا شخصية، تحكمها  أنظمة، وهذه الأنظمة تضع حدوداً للأدوار والتصرّفات وتحدّد شروطاً للعمل، وتعيّن حقوق الأفراد وواجباتهم، وتبيّن الحدود الزمنية والنطاق المكاني.
إن الحديث عن دولة المؤسسات في لبنان، أو غيره، يلزمه بالموازاة حديث عن كيفية إدارة المؤسسات في القطاع الخاص. لا بد أن يتوسع الحديث نحو ثقافة المجتمع عامة حول ما هو شخصي وما هو لا شخصي، وما وراء الشخصي واللاشخصي من أبعاد.

 
increase حجم الخط decrease

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب